173

Speeches and Lessons of Sheikh Abdul Rahim Al-Tahan

خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان

Noocyada

وإذا كان هذا حال رسالة نبينا – ﷺ – فمن المحال في العقل والدين أن يترك النبي – ﷺ – باب الإيمان بالله – جل وعلا – والعلم به ملتبسًا مشتبهًا، لا يميز في ذلك بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وما يجوز له، وما يمتنع عليه، لأن معرفة هذا أصل الدين، وأساس الهداية، أفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب، وحصلته النفوس، أدركته العقول، قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – أصل الدين وأصل أعماله وإرادته محبة الله – جل وعلا – والأنس به، والشوق إلى لقائه، والرضا به وعنه، كما أن معرفته والعلم بأسمائه وصفاته وأفعاله أجَلّ علوم الدين كلها، فمعرفته أجل المعارف، وإرادة وجهه أجل المقاصد، وعبادته أشرف الأعمال، والثناء عليه بأسمائه وصفاته ومدحه بذلك وتمجيده أشرف الأقوال، وذلك أساس الحنيفية ملة إبراهيم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فمن كان بالله – ﷾ – وأسمائه وصفاته أعْرف، وفيه أرغب، وله أحب، وإليه أقرب وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يعرف إلا بالذوق والوجد، ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حبًا لغيره، وأنسًا به، وكلما ازداد له حبًا ازداد له عبودية وذلًا، وخضوعًا ورقًا، وحرية عن رق غيره (١) .

(١) انظر إغاثة اللهفان: (٢/١٩٧،١٩٥)، وانظر ما لمشهد الصفات من آثار طيبات في نفوس المؤمنين والمؤمنات في مدارج السالكين: (١/٤١٧)، وفي: (٣/٣٤٥-٣٦١) حرر الكلام وأطال، وأتى بما يشرح الصدر، وينير العقل، ويطرب البال، فانظره لزامًا، فما إخالك تعثر عليه في مكان آخر تمامًا وصفوة ذلك الكلام: أنه لا يستقر للعبد قدم من الإيمان، حتى يؤمن بصفات الرحيم الرحمن، فذلك أساس الإسلام وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان، فهو مبدأ الطريق، ووسطه، وغايته وهو روح السالكين، وهاديهم إلى الوصول إلى رب العالمين، ومحرك عزماتهم إذا فتروا، ومثير هممهم إذا قصروا فَسَيْرُهُم على الشواهد، ومن لا شاهد له فلا سير له، ولا طلب ولا سلوك وأعظم الشواهد صفات محبوبهم، ونهاية مطلوبهم، وذلك هو العلم الذي رفع لهم في السير فشمروا إليه.
... وقال مقيد هذه الأسطر – ستره الله تعالى – لقد صدق الإمام ابن القيم ونصح، فيما قرر ووضح فالذي يحرك العزمات إلى رب الأرض والسموات ويجعل الحياة الدنيا جنة من الجنات، معرفة صفات الله المباركات، وإن شئت التحقق من ذلك وأنت له غير سالك – من الله الكريم عليها جميعًا بمعرفته حقًا، وبمعاملته إخلاصًا وصدقًا – فاستمع لأثر صفتين من صفات رب العالمين، في نفوس المكلفين من متقدمين ومتأخرين.
أثر صفة الضحك:
روى الإمام أحمد في المسند: (٤/١٣،١٢،١١) وابن ماجه في المقدمة – باب فيما أنكرت الجهمية: (١/٦٤) والدارمي في رده على المريسي: (٥٣٣) ضمن كتاب عقائد السلف ورواه الطيالسي: (٢/٧٧) منحة المعبود والبيهقي في الأسماء والصفات: (٤٧٣) وابن أبي عاصم في كتاب السنة – باب ما ذكر من ضحك ربنا – ﷿ –: (١/٢٤٤)، والدارقطني في الصفات، والطبراني أيضًا كما في جمع الجوامع: (١/٥٦٥) عن أبي رَزِين ٍ – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – ﷺ –: "ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيرِهِ – أي قرب تغير الحال من ضيق إلى فرج – قال، قلت يا رسول الله! أيضحك الرب – ﷿؟ قال: نعم قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرًا" والحديث رواه الخطيب في تاريخ بغداد: (١٣/٤٤) وابن خزيمة في كتاب التوحيد – باب ذكر إثبات ضحك ربنا – ﷿ –: ٢٣٥ عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت، قال رسول الله – ﷺ –: "إن الله – ﷿ – ليضحك من إياسة العباد وقنوطهم، وقربه منهم" قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أيضحك ربنا؟ قال: "إي والذي نفسي بيده إنه ليضحك" فقلت: إذًا لا يعدمنا منه خيرًا إذا ضحك، وأشار إلى هذه الرواية البيهقي في الأسماء والصفات: (٤٧٣) .
والحديث بالطريق الأول رجاله ثقات احتج بهم مسلم، إلا وكيع بن عُدُس، ويقال: حُدُس فهو من رجال الأربعة ومقبول كما في التقريب: (٢/٣٣١) وذكره ابن حبان في الثقات كما في تهذيب التهذيب: (١١/١٣١) . وفي الطريق الثاني سَلْم بن سالم البَلَخي، ضعفه الأئمة بل اتُفِقَ على ضعفه كما في الميزان: (٢/١٨٥)، واللسان: (٣/٦٣)، وفيه خارجة بن مصعب متروك كما في التقريب: (١/٢٠٠) .
والحديث لطرقه وشواهده حسن، وقد نص على تحسينه شيخ الإسلام – عليه رحمة الله تعالى – في الواسطية: (٩٧)، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (٣/١٣٩)، ولفظه "عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غَيْرِهِ، ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب" وهو قريب من لفظ رواية الإمام أحمد الثالثة وأشار إليه محتجًا به الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: (٣/٣٤٨) .
وصفة الضحك تواترت بها الأحاديث عن نبينا – ﷺ – في وصف ربنا – ﷻ – أقطع بذلك، وأسأل عنه يوم القيامة، قال الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد: (٢٣٠) باب ذكر إثبات ضحك ربنا – ﷿ – بلا صفة تصف ضحكه – جل ثناؤه – لا، ولا يُشَّبهُ ضحكُه بضحك المخلوقين وضحكهم كذلك بل نؤمن بأنه يضحك كما أعلم النبي – ﷺ – ونسكت عن صفة ضحكه – جل وعلا – إذ الله – ﷿ – استأثر بصفة ضحكه لم يطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النبي – ﷺ –، مصدقين بذلك بقلوبنا منصتون عما لم يبين لنا مما استأثر الله – ﵎ – بعلمه أ. هـ. وانظر مدارج السالكين: (١/٢١٦) وفيه ليس في إثبات هذه الصفة محذور ألبتة فإنه ضحك ليس كمثله شيء. وانظر لزامًا رد الدارمي على المريسي: (٥٣٠-٥٣٧) ضمن كتاب عقائد السلف.
فانظر – رعاك الله – إلى استبشار الصحابة الأطهار بتلك الصفة للكريم الغفار، وفي أسْدِ الغابة: (٤/٣١١)، والإصابة: (٣/٤٢) وسيرة ابن هشام: (٣/٣٩)، والسيرة الحلبية: (٢/٤١١)، والبداية والنهاية: (٣/٢٧١) عن ابن إسحاق قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث وهو ابن عَفْراء – رضي الله تعالى عنه – قال يوم بدر: يا رسول الله – ﷺ – ما يُضْحِكُ الربَّ من عبده؟ قال: غَمْسُهُ يَدَهُ في العَدُوّ حَاسِرًا – أي: لا درع له، ولا مغفر – فنزع درعًا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فاتل حتى قتل. – رضي الله تعالى عنه –.
ثانيا: أثر صفة اتصاف ربنا بمغفرة الذنوب، وبتوبته على أهل الخطايا والعيوب:
ثبت في صحيح البخاري – كتاب أحاديث الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام –: (٦/٥١٢) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب التوبة – باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله –: (٤/٢١١٨)، ورقم ٢٧٦٦، وسنن ابن ماجه – كتاب الديات – باب هل لقاتل مؤمن توبة؟: (٢/٨٧٥)، ومسند أحمد: (٣/٧٢،٢٠) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال قال رسول الله – ﷺ –: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نَصَفَ الطريقَ – أي: بلغ نصفها – أتاه الموت فاختصمت فيه ملائمة الرحمة، وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة" وفي رواية في الصحيحين: "فأوحى الله إلى هذه أن تقرَّبي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي" زاد البخاري وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له" والحديث رواه الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – ورواه أيضًا عن معاوية بن أبي سفيان – رضي الله تعالى عنهما – بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح غير أبي عبد رب وهو ثقة، ورواه أبو يعلى بنحوه كذلك، ورواه الطبراني أيضًا عن أبي بُلْوَة َ البَلَوِيِّ وكان من أصحاب الشجرة – رضي الله تعالى عنه – ورواه أيضًا عن ابن مسعود موقوفًا عليه بسند رجاله رجال الصحيح وله حكم الرفع لأنه لا يُدْرَكًُ بالرأي، وفي تلك الروايات شيء من الاختلاف في السياقة فانظره في مجمع الزوائد: (١٠/٢١١-٢١٣) كتاب التوبة – باب في مغفرة الله – تعالى – للذنوب العظام وسعة رحمته –.
فانظر – وفقك الله تعالى – إلى أي شيء أدى إليه جهل الراهب بصفات الرب الواهب، ثم تأمل جواب العالم السديد لمعرفته بصفات الرب المجيد، كيف هدى الله – ﵎ – بجوابه المجرمين من العبيد.
والحقيقة أنه لولا اتصاف ربنا الكريم بمغفرة الذنوب، وقبوله توبة من يتوب لضاقت الأرض بما رحبت على الصديقين، بل تضيق عليهم أنفسهم في كل مكان وحين، إذ لا يخلو أحد من تقصير، وتقصير كل ٍ بحسبه، وإذا كان هذا حال الطيبين، فما بالك بحال العتاة المفسدين، فحمدًا لله حمدًا على ما وصف به نفسه، وأكرمنا بمعرفة ذلك ليهدأ رَوْعُنا، وتطمئن قلوبنا، وتنشرح صدورنا، فَعِلْمُ الأسماء الحسنى، والصفات العلى، مع القيام بما يقتضيه ذلك الِعْلمُ من عبدوية لله – جل وعلا – عن طريق تعلق القلب بتلك الأسماء والصفات، ودعاء الله بها حسبما يتلاءم معها من الأحوال والأوقات، شأنٌ عظيم؛ لأن كل مطلوب يُسألُ بالمناسب من أسماء الملك الكريم كما في مدارج السالكين،: (١/٤٤٨)، وفيه في: (١/٤٣١) نقلا ً عن الإمام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى –: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية.
قال عبد الرحيم – غفر الله له وللمسلمين، ومن تدبر الأدلة الشرعية أيقن بذلك غاية الإيقان، وإليك حديثان من أحاديث النبي – ﷺ – هما خاتمة الكلام في هذه المسألة التي هي أوسع مسائل الإسلام.
ثَبَتَ في صحيح مسلم – كتاب البر – باب تحريم الظلم –: (٤/١٩٩٤) رقم ٢٥٧٧ عن أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – ﷺ – فيما روى عن الله – ﵎ – أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار ٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكْسِكُمْ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكن لن تبلغوا ضَرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَط ُ إذا أدخل البخر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم أياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
والحديث رواه أحمد في المسند: (٥/١٧٧،١٦٠،١٥٤)، والترمذي في سننه في كتاب صفة القيامة – باب ٤٩: (٧/١٨٨)، وابن ماجه في سننه – كتاب الزهد – باب ذكر التوبة: (٢/١٤٢٢) وأخرجه الطبراني من رواية أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – كما في جامع العلوم والحكم: (٢١٠) بألفاظ متقاربة، وقد ساق الإمام النووي الحديث بسنده إلى أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – في آخر كتاب الأذكار – وهو آخر حديث فيه وقال: رجال إسناده مني إلى أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – كلهم دمشقيون، وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل – ﵏ جميعًا – أنه قال: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث، وفي صحيح مسلم كان أبو إدريس الخولاني راوي الحديث عن أبي ذر – ﵃ أجمعين – إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه، وانظر الكلام على فوائد الحديث ودلالاته في الفتح المبين: (١٩٠-٢٠١)، وجامع العلوم والحكم: (٢١٠-٢٢٠)، والفتوحات الربانية شرح الأذكار النواوية: (٧/٣٣٨-٤٠٢) .
فتدبر هذا الحديث الشريف العظيم – نور الله قلبي وقلبك – لتتحقق أن الإنسان لا يخلو من تقصير في حق الكريم الرحمن، ومن جود ربنا وكرمه أنه يحب التائبين، فمن لجأ من المخطئين إلى رب العالمين لعلمه بأن الله كريم متصف بمغفرة الذنوب، وستر العيوب تاب الله عليه و، غفر له وأحسن إليه – كيف لا وهو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، حكى الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: (١/٢١٣)، والإمام ابن رجب في جامع العلوم: (٢١٥) عن بعض الصالحين أنه حديث له شرود من رب العالمين فرأى في طريقه بابًا قد فتح، وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده، حتى خرج فأغلقت الباب في وجهه، ودخلت فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف متفكرًا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه، ولا من يؤيه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد الباب مغلقًا، فجعل يبكي ويقول: يا أماه: من يفتح لي الباب إذا أغلقت عني بابك؟ ومن يدنيني إذا طردتني؟ ثم توسد الباب، ووضع خده على عتبة الباب ونام، فخرجت أمه وأخذته حتى وضعته في حجرها، وجعلت تقبله وتقول: يا ولدي: أين تذهب عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبِلْتُ عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك، وإرادة الخير لك، ثم دخلت به البيت، فتنبه ذلك الصالح من غفلته وعاد إلى ربه – ﷻ – وقد ذكر ابن القيم نحو هذه القصة أيضًا في مدارج السالكين: (١/٤٢٩-٤٣٠) على التمثيل بها لرحمة أرحم الراحمين، وقبوله توبة التائبين.
وهذا الأمر الذي دل عليه هذه الحديث الشريف يوضحه غاية الإيضاح الحديث الثاني وهو ما رواه الإمام البخاري في كتاب التوحيد – باب ٣٥: (١٣/٤٦٦) بشرح ابن حجر، والإمام مسلم – كتاب التوبة – باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة: (١٧/٧٥-٧٦) بشرح النووي، والإمام أحمد في المسند: (٢/٤٩٢،٤٠٥،٢٩٦) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال سمعت النبي – ﷺ – يقول: "إن عبدًا أصاب ذنبًا – وربما قال: أذنب ذنبًا – فقال: رب أذنبت – وربما قال أصبت – فاغفر. فقال ربه: أعَلِمَ عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا – أو أذنب ذنبًا – فقال: رب أذنبت – أو أصبت – آخر، فاغفره. فقال: أعَلِمَ عبدي أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبًا – وربما قال أصاب ذنبًا فقال: رب أصبت – أو أذنبت – آخر فاغفره لي، فقال: أعَلِمَ عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثًا فليعمل ما شاء"، قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى –: معناه ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك، فهنيئًا لمن علم باتصاف ربه – جل وعلا – بتلك الصفة المباركة ليكون الله – ﷻ – مَأمَنهُ، وليفر منه إليه، رزقنا الله توبة نصوحًا وعودًا إليه صحيحًا فهو ملاذنا، وإليه مآبنا، وهو حسبنا، لا إله غيره، ولا رب سواه.

1 / 173