Speeches and Lessons of Sheikh Abdul Rahim Al-Tahan
خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان
Noocyada
اسمه: هو العلامة الحافظ
أبي حمزة عبد الرحيم بن أحمد بن محمود طحان النعيمي
، وقيل يرجع نسبه إلى آل البيت الطيبين من نسب علي ابن الحسين ابن علي ابن أبي طالب ﵄،
كما أخذت هذا النقل من أكثر من شخص منهم من هو من أهل حلب الشام،
صفاته الخلقية والخلقية:
ليس بالطويل ولا بالقصير أبيض اللون مشرب بالحمرة عريض المنكبين وكثيف اللحية مفتول الساعدين والكتفين، ترى في عينيه الإخبات والخشية نحسبه والله حسيبه ويشهد على ذلك من رأه، يلبس العمامة ذات الذوابة
ومن صفاته الخلقية:
أنه هين لين نحسبه والله حسيبه، شديد التواضع مع طلبة العلم حتى يشهد على هذا القول أحد من قابلة عندما قال كأني أنا الشيخ وهو التلميذ لشدة إنصاته واحترامه لطلبة العلم،
وكذلك مما أعرفه عنه أنه كثير ما يلهج بذكر الله جل وعلا والصلاة على النبي ﵊، حتى أنك تظن أنه نحسبه والله حسيبه أنه قوي الصلة بالذكر،
ومن صفاته أنه يشتد غضبه عندما يطعن أو يحرف في الدين أو يبهت أو ينقص عن قدر إمام من أئمة الدين لذلك تسمعه في أشرطة الردود يتوسع في بسط أدلة التي تثبت خطأ المخالف،
رحلة تلقيه للعلم:
فقد درس العلامة عبد الرحيم الطحان مرحلة الإبتدائي في المملكة العربية السعودية ومرحلة المتوسط في حلب الشام والجامعة في المدينة المنورة تحديدًا في الجامعة الإسلامية وقد أخذ الأول على طلاب الجامعة وقد أكمل دراسات العليا الدكتوراه في الجامع الأزهر وأخذ فيها رسالة الدكتوراه وأظنه في تفسير القرآن وعلومه المرتبة الأول مع الشرف على الجامعة (أي الجامع الأزهر) في السبعينات،
شيوخه:
وقد تلقى العلم من علماء كثر نذكر منهم مما أعرفهم وأعتذر أنني لا أعرف أسماء كل من تلقى العلم عنهم:
١- العلامة محمد الأمين الشنقيطي ﵀ (صاحب أضواء البيان) .
٢- العلامة محمد أبو الخير زين العابدين ﵀.
٣- العلامة عبد الرحمن زين العابدين ﵀.
٤- العلامة المختار الشنقيطي ﵀ والد العلامة محمد المختار الشنقيطي المدرس في الحرم المدني.
٥- عبد الله سراج الدين ﵀.
ممن درس عليه في جامعة الإمام محمد ابن سعود:
١- الشيخ عوض القرني.
٢- الشيخ د. عائض بن عبد الله القرني.
٣- الشيخ د. سعيد بن مسفر القحطاني.
وكذلك يقال ممن درس عليه الشيخ علي بن عبد الخالق القرني.
مما لبس على الناس حول العلامة الطحان:
ولا يخفى على طالب العلم الذي يسعى جاهدا إلى البحث عن الحقيقة أن العلامة الطحان حفظه الله ربي الرحمن قد ظلم وافتري عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله،
نذكر منها ما أشيع عنه أنه طرد من السعودية!!!!
وهذا غير صحيح فمن يعلم عن العلامة الطحان أنه كان يدرس في منطقة أبها ثم نقل إلى فرع جامعة الإمام محمد ابن سعود بالدولة الإمارات ثم بعدها نقل إلى فرع الجامعة بإندونسيا ثم بعدها قدم العلامة الطحان استقالته واستقر بعدها في قطر، فأين قول من يجعجع بهذه التلفيقات!!!!
وغيره الكثير مما كذب عليه وما نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.
الشيخ والسلفيّة
الشيخ سنّي سلفي أثريّ، سليم العقيدة والمنهج. كيف لا وهو يرى الخروج عن الأئمة الأربعة حرام، وقد بسط في ذلك كلا مقنعا، مستشهدا بكلام من سبقه من أئمة الإسلام ومنهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وما أثير حول عقيدته من اتّهامه بالصوفية كذب صراح، وتهمة باطلة، وليتّق الله من يقول هذا. لقد حذّر الشيخ في غير مرّة من الصوفية وأئمتها وبيّن عوارها وكشف منهجها. وهذه الحقيقة واضحة كوضوح الشمس، ولا يقول خلاف ذلك إلّا جاهل مقلّد، أو حاقد مفتري.
الشيخ والوهابية
نعم، ترد كلمة الوهابية على لسان الشيخ مرارا -ولا أتّفق معه في ذلك- ولكن يكذب من يقول بأنّ الشيخ لديه موقف معادي لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب، ولا أدلّ على ذلك من استشهاده بكلام الشيخ محمد في مواعظه، وعقيدة الشيخ ودعوته مطابقة لما عند شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب.
الشيخ والشيخ الألباني
ما أستطيع قوله هنا، أنّه قد ظلم وأجحف ولم ينصف من رمى باللوم والخطأ والذنب كلّه على الشيخ الطحّان وحده، ولست أريد اللمز أو التعريض بالشيخ الألباني، فالشيخان عيناي في رأسي، وما وقع بينهما قد وقع بين الصحابة قبلهما، وطبيعة البشر الاختلاف، وموقفي وموقفك أن نستزيد من علمهما ونغضّ الطرف عمّا جرى بينهما. بقي أن أقول: قد سمعت الشيخ مرّة يشكر جهد الشيخ الألباني تلميحا لا تصريحا. والله أعلم.
الشيخ والشيخ ابن باز
لم أسمعه مرة واحدة يذكره بذم، ومن خلال ما عرفته عنه، يستحيل لديّ أن يكون قد ذمّه بشيء. والله أعلم.
نقطة مهمّة
الشيخ لديه شدّة وقوّة وغلظة ليس مردّها إلى خلل في العقيدة، أو تطرّف في المنهج. كلّا والله، بل مردّها إلى طبعه وسجيّته، وهذا حال البشر، فعمر بن الخطّاب معروف بالقوة، وأبو بكر موصوف باللين. وكذلك الشيخ الطحّان، يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم. وهذا الموضع مزلّة اقدام حيث رمي الشيخ بما ليس فيه بلا تثبّت. وهذا الأمر -والله أعلم- هو سبب ما حصل له من التضييق والفصل والترحيل. أسأل الله أن يوفّقه للصواب، وأن يفرّج كربته. وقد سمعته مرّة يتكلّم عن تناقض استخرجه من فتاوى ابن تيمية، وكان في حديثه فظّ العبارة. ومن سمعه لأوّل مرّة ظنّ أنّه من أعداء شيخ الإسلام، ولو تروّى قليلا لوجد أنّه دائما يردد "الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البريّة" ودائما ما يستشهد بكلامه، وقد وصفه مرّة بأنّه صاحب العدل والإنصاف، وكذلك يستشهد الشيخ بكلام ابن القيم ويقول فيه القول الحسن. ومرّة سمعته يروي حديثا في سنده معاوية. فوقف عند معاوية قليلا، وقال كلاما ربما يظنّ الجاهل منه أنّه شيعيّ، ولو تحرّى لبان أنّ الشيخ يترضّى عنه ويقول فيه خيرا، وهو على منهج السلف في عدالة الصحابة أجمعين، وقد قرّر ذك وكرّره في غير موضع.
الشيخ والحكّام
الشيخ موافق لمنهج السلف في التعامل مع السلاطين، فحضور مجالسهم، وأخذ عطيّاتهم، والتردد على أبوابهم ليست من شيم العلماء عنده، وهو يربّي طلابه على هذا ونعم ما فعل. ومع ذلك فلم أسمعه يدعوا إلى الخروج أو التكفير، بل هو يندّد بأهل التكفير والتفجير ويبيّن عظيم مصاب الأمّة منهم.
علم الشيخ ودينه
لقد ملئ الشيخ علما من رأسه إلى أخمص قدميه، ولا أبالغ أنّه يقف في مصاف كبار علماء هذا العصر. فإن أردت الفقه فلا تسل، وإن أردت التفسير فهو بحره، وإن أردت الحديث فهو طبيبه. وسبحان الذي وهبه الحفظ! وسبحان الذي وهبه الفصاحة في المنطق! وقلّما تجده يلحن أو يتردّد بل هو بليغ اللسان طليقه. وقد أوتي لطافة وظرافة وحسن اختيار للكلام. والشيخ من أهل الدين والورع والزهد حسب ما ظهر لي ولا أزّكي على الله أحدا. فهو بكّاء ذو قلب خاشع، تلمس من حديثه الصدق والإيمان. ويعلم الله أنّه مدرسة في التقوى والتوكّل على الله، أسأل الله أن يزيده من فضله، وأن يلحقنا به.
محاضرات في التوحيد للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ آل عمران١٠٢، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء١، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب ٧٠-٧١. أما بعد: فمن رحمة الله الكريم بعباده أن أرسل إليهم الرسل الكرام - عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام -، وأنزل عليهم الكتب ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليجنبهم الزيغ والفجور. وقد ختم ربنا الرسل الكرام بخير خلقه نبينا محمد - عليهم جميعًا أتم صلاة وأكمل سلام - وأنزل عليه خاتمة الكتب وأحكمها، وأجمعها، وأبلغها ألا وهو القرآن العظيم المحفوظ في الصدور والسطور، وهو منبع الهدى والنور، لا يتطرق إليه زيادة ولا نقصان، فقد تكفل بحفظه الرحيم الرحمن.
محاضرات في التوحيد للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ آل عمران١٠٢، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء١، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب ٧٠-٧١. أما بعد: فمن رحمة الله الكريم بعباده أن أرسل إليهم الرسل الكرام - عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام -، وأنزل عليهم الكتب ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليجنبهم الزيغ والفجور. وقد ختم ربنا الرسل الكرام بخير خلقه نبينا محمد - عليهم جميعًا أتم صلاة وأكمل سلام - وأنزل عليه خاتمة الكتب وأحكمها، وأجمعها، وأبلغها ألا وهو القرآن العظيم المحفوظ في الصدور والسطور، وهو منبع الهدى والنور، لا يتطرق إليه زيادة ولا نقصان، فقد تكفل بحفظه الرحيم الرحمن.
1 / 1
وقد قام رسولنا ﷺ بمهمة البيان والبلاغ أحسن قيام، فدعا إلى الله على بصيرة، وبيّن للناس ما نزل إليهم من ربهم، ففتح الله القدير بنبينا البشير النذير ﷺ أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، وهدى به من الضلالة، وأنقذ به من الجهالة، وشرح به الصدور، وأنار به العقول، ولم يقبضه إلى جواره الكريم حتى أعز به الدين، وترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك (١) .
_________
(١) المحجة "بفتحتين" جادة الطريق. انظر ما يتعلق بذلك في صفحة: (٢) من هذا المبحث المبارك. هذا وقد ورد في الكتب السابقة صفة نبينا ﷺ فمن ذلك ما رواه عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو ﵃ أجمعين - فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله ﷺ في التوراة؟ فقال: أجل: والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ الأحزاب٤٥، وحرزًا للأميين، وأنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لست بفظ، ولا غليظ، ولا صخّابٍ في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن بعفو، ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح به أعينًا عميًا وآذانًا سمًا، وقلوبًا غلفًا. أخرجه الأئمة: أحمد في المسند: ٢/١٧٤ بإسناد صحيح كما قال الشيخ أحمد شاكر: (١٠/١٥١) رقم و(٦٦٢٢) . والبخاري في البيوع - باب كراهية السخب في الأسواق-: (٤/٣٤٢)، وفي التفسير - سورة "الفتح" باب - "٣": (٨/٥٨٥) بشرح ابن حجر فيهما، ورواه البخاري في الأدب المفرد - باب الانبساط إلى الناس: (٣٨-٣٩) وابن سعد في الطبقات: (١/٣٦٢) ..وانظر صفة نبينا ﷺ في الكتب السابقة، في سنن الدارمي - المقدمة باب "٢" (١/٤-٨) وأول كتاب فضائل القرآن: (٢/٤٣٤) وشرح الزرقاني للمواهب اللدنية: (٦/١٨٨-٢٠٤) .
1 / 2
ومن رحمة الرب الكريم، أن هيأ رجالًا صالحين، في كل زمانٍ وحين، وبثهم في جميع أقطار الأرضين، ليخلفوا النبي الأمين ﷺ في الدعوة إلى رب العالمين، فهم الذين يصعدون بكلمة الحق ويعلونها، ويتصدون للمحدثات فينكرونها وللشبهات فيزيلونها، ويستأصلونها، وهم الأكياس العُدُول، وليس للمهتدي (للمهتدي) المسترشد عن قولهم عدول، وفي الأثر: "يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين (١)
_________
(١) الأثر رواه البيهقي في السنن الكبرى - كتاب الشهادات - باب الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث، فيقول: كفوا عن حديثه، لأنه يغلط أو يحدث بما لم يسمع، أو أنه لا يبصر الُفتْيا: (١٠/٢٠٩) عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري عن النبي ﷺ وعنه أيضًا عن الثقة من شيوخه - على حد تعبير العذري - مرفوعًا. ورواه الخطيب في شرف أصحاب الحديث: (٢٨-٢٩) - باب قول النبي ﷺ يحمل هذا العلم من كل خلق عدوله - عن أبي هريرة، وأسامة بن زيد، وعن إبراهيم العذري أيضًا مرفوعًا في الجميع، ورواه في أول الكتاب "شرف أصحاب الحديث" أيضًا: (١١) عن معاذ، وابن مسعود مرفوعًا.
هذا وقد روي الحديث مرفوعًا من رواية: أنس، وابن عمر، وأبي أمامة، وابن عمرو، وجابر وابن عباس، وعلي، وأبي بكر ﵃ أجمعين - انظر تفصيل ذلك مع الكلام على درجة الحديث في جمع الجوامع: (١/٩٩٥)، وتهذيب الأسماء واللغات القسم الأول: (١٧)، ومقدمة ابن الصلاح، ومحاسن الاصطلاح: (٢١٩-٢٢٠) الثاني مطبوع في حاشية الأول، والتقييد والإيضاح (١٣٨-١٣٩)، وفتح المغيث: (١/٢٧٥-٢٧٩) وتدريب الراوي: (١٩٩-٢٠١) وتوضيح الأفكار: (٢/١٢٧-١٣٣)، وكنز العمال: (٥/٢١٠)، وتذكرة السامع والمتكلم: (٩)، وقواعد التحديث: (٤٨-٤٩)، والجرح والتعديل: (١/١٧) - باب في عدول حاملي العلم، وأنهم ينفون عنه التحريف والانتحال.
وحاصل: أقوال الأئمة في درجته: أنه حديث صحيح عند الإمام أحمد، وحسن عند الإمام العلائي وضعيف عند الإمامين البُلقيني، والعراقي. ولعل قول الإمام العلائي يجمع بين القولين المتباعدين فهو ضعيف، ولتعدد طرقه ارتفع إلى درجة الحسن. والحديث الحسن من أقسام الحديث المقبول ولذلك قال القاسمي في قواعد التحديث: وتعدد طرقه يقضي بحسنه كما جزم به العلائي والله تعالى أعلم.
1 / 3
". نسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم، ومن محبيهم، إنه كريم رحيم.
هذا، وقد أسندت إليّ محاضرات التوحيد في قسم الدراسات الإسلامية في كلية البنات في أبها لطالبات السنتين الثانية والثالثة، وليس لموضوعات المنهجين كتب مصنفة في ذلك حسب تلك الموضوعات، فاستخرت الله الكريم في كتابة صفحات تشتمل على تلك الموضوعات، فشرح الجليل صدري لذلك، فاستعنت به -، وهو الذي لا يخيب من رجاه واستعان به -، وشرعت في تنفيذ ما استخرت، وفي نيتي طباعة ما يتيسر جمعه من تلك الموضوعات، كلما بلغ عشر صفحات لتكون بين أيدي الطالبات، قبل إلقاء المحاضرات. والله الكريم أسألُ تحقيق ذلك فهو على كل شيءٍ قدير.
وهذا المسلك الذي سأقول به - إن شاء الله تعالى - أراني مضطرًا إليه، رجاء النفع المترتب عليه ومن الطبيعي أن يحصل بسبب ذلك بعثرة في العبارات، وعدم صَقَل للكلمات. ولولا ما ذكرت من عذر الاضطرار، لما أقدمت على ذلك الفعل في ليلٍ أو نهار، وقد أسندت إليّ تلك المحاضرات بعد مضي أسبوعين من الدراسات: فلو كان عندي متسع من وقتي، لترويت في أمري، وعرضت ما أكتبه على غيري، طلبًا للوصول إلى الكمال المستطاع، فقد حذر سلفنا الصالح من إخراج المصنفات قبل تحريرها وتهذيبها، وتكرار النظر في ترتيبها وتبويبها، فالمُصَنِف ينشر عقله وفكره بين الناس، ويستدل بتصنيفه على مقدار عقله، وشأن ذهنه، ودرجة ذوقه، ومن صنف فقد اسْتُهدِف، وهو في سلامةٍ من أفواه الناس ما لم يصنف.
1 / 4
وقد أولى سلفنا الأبرار تهذيب الكتب، وتحرير المصنفات عناية عظيمة، فالإمام الشافعي - عليه رحمة الله تعالى - يقول: إذا رأيتم الكتاب فيه إلحاقٌ وإصلاحٌ فاشهدوا له بالصحة (١) . وعقد الإمام ابن عبد البر - عليه رحمة الله تعالى - في كتابه جامع بيان العلم وفضله، بابًا بهذا الخصوص فقال - باب معارضة الكتاب - ونقل فيه بسنده عن هشام بن عروة قال: قال لي أبي: يا بني أكتبت؟ قلت: نعم، قال: عارضت؟ قلت: لا، قال: لم تكتب، ثم ساق ابن عبد البر بسنده إلى الأوزاعيّ ويحيى بن أبي كثير - عليهم جميعًا رحمة الله تعالى - أنهما قالا: مثل الذي يكتب ولا يعارض مثل الذي يدخل الخلاء ولا يستنجي (٢) .
والذي دفع السلف الكرام إلى تلك العناية العظيمة بمعارضة المصنفات وتحريرها، هو تلافي القدر الأكبر من الأخطاء بحيث يعز بعد ذلك وجود مالا يحمد في الكتاب وتصل درجته إلى الندرة، إذ قلما يسلم كتاب من خطأٍ، والكريم من عدت سقطاته كما قال الأحنف بن قيس (٣) - عليه رحمة الله تعالى - وقال الإمامان المزني، ومَعْمَر - عليهما رحمة الله تعالى - لو عورض كتاب سبعين مرة - وقال معمر: مائة مرة لوجد فيه خطأ (٤) .
_________
(١) انظر آداب الشافعي ومناقبه للإمام ابن أبي حاتم الرازي: (٣٤) .
(٢) انظر جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله: (٧٧-٧٨) .
(٣) انظر مُوضِّح أوهام الجمع والتفريق: (١/٦) ويقرر هذا الإمام ابن القيم في مدارج السالكين (٣/٢٢٥) فيقول: من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته.
(٤) انظر قول المزني في موضح أوهام الجمع والتفريق - (١/٦)، وقول معمر في جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله: (١/٧٨)، وفي رد المختار: (١/١٩): وقال المزني: قرأت كتاب الرسالة على الشافعي ثمانين مرة، فما من مرة إلا وكان يقف على خطأٍ، فقال الشافعي: هيه أبى الله - جل وعلا - أن يكون كتابًا صحيحًا غيرُ كتابه.
1 / 5
وإذا كان لابد من وجود قصور وتقصير في جهد البشر مع المعارضة، والتحرير، والتنقيح، والتهذيب، إذ كيف يعصم من الخطأ من كان وصفه "ظَلُومًا جَهُولًا".
فكيف سيكون جهد العبد الضعيف كاتب هذه الصفحات، مع ضيق الأوقات، أسألُ الله العظيم رب الأرض والسموات، أن تكون تلك الأخطاء في الشكليات والترتيبات لا في المقاصد والغايات، ولا في تقرير الحقائق البينات.
كما أسأله - جل وعلا - أن يجعل أعمالنا من الصالحات، خالصة لوجهه الكريم، وأستغفر الله العظيم.
وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه نبينا محمدٍ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين
وكتب الفقير إلى رحمة الرحمن
عبد الرحيم بن أحمد الطحان
٣/١/١٤٠٤هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
علم التوحيد:
علم التوحيد مركب إضافي، جعل علمًا على العلم المعهود، فينبغي تعريفه باعتبار كونه مركبًا إضافيًا، وباعتبار كونه علمًا، للإحاطة بالمعنى من جميع الوجوه، وبجميع الاعتبارات.
معنى التوحيد:
التوحيد لغة: مصدر وَّحَدَ يُوَحِّدُ، وهو العلم بأن الشيء واحد، وفي الاصطلاح: إفراد الله - جل وعلا - بالعبادة، مع الجزم بانفراده في ذاته، وصفاته، وأفعاله، فلا نظير له ولا شبيه (١) .
معنى العلم:
_________
(١) انظر بيان ذلك وإيضاحه في فتح الباري: (١٣/٣٤٤) نقلا ً عن كتاب الحجة للإمام أبي القاسم التيمي، وانظر لسان العرب أيضًا: (٤/٤٦٤) "وحد"، واسم كتاب "الحجة" "الحجة في بيان المحجة" كما في كشف الظنون: (١/٦٣١)، وهدية العارفين: (١/٢١١)، ومؤلفه الإمام الحافظ الكبير شيخ الإسلام أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الملقب بِقِوام السنة، ما عاب عليه أحد قولًا ولا فعلا ً توفي سنة (٥٣٥هـ) - عليه رحمة الله تعالى -، انظر ترجمته العطرة في المنتظم: (١٠/٩٠)، وتذكرة الحافظ (٤/١٢٧٧-١٢٨٢)، والبداية والنهاية: (١٢/٢١٧)، والعلو: (١٩٢)، وطبقات المفسرين للسيوطي: (٣٧) وغير ذلك.
1 / 6
يطلق العلم في اللغة بإزاء معنيين:
أ- الاعتقاد الجازم، قال الله ﷻ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ من سورة محمد ﷺ ١٩، ومما ينبغي التنبيه له أن الاعتقاد الجازم تارة يكون حقًا، وذلك بمطابقته للواقع عن دليل، كاعتقاد المسلمين بأن الله - جل وعلا - واحدٌ لا شريك له.
وقد يكون الاعتقاد الجازم باطلا ً، وينحصر ذلك في عدم مطابقة الاعتقاد للواقع، كاعتقاد النصارى بأن الله ثالثُ ثلاثةٍ - تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا - (١) .
_________
(١) وقد أشار ربنا - جل وعلا - بألطف إشارة، وأوجز عبارة إلى بطلان دعوى ألوهية عيسى وأمه - على نبينا وعليهما الصلاة والسلام - فقال في سورة المائدة ٧٥: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ﴾ فهما محتاجان للطعام كما هما محتاجان أيضًا لإخراجه عن طريق استلزام أكل الطعام لدفع الفضلات فلو منع عنهما الطعام ماتا جوعًا، ولو احتبس في بطنهما ماتا حرجًا وضيقًا، ومن كان هذا شأنه فالألوهية منتفية عنه بداهة، فالقيام بالنفس، والغنى عن الغير مما تستلزمه الألوهية، انظر تقرير هذا وإيضاحه في تفسير ابن كثير: (٢/٨١) وروح المعاني: (٦/٢٠٩)، ومن اللطائف المتعلقة بهذا الموضوع ما في البداية والنهاية: (١٠/٢١٥) وتاريخ بغداد: (٥/٢٧٣) أن ابن السماك / محمد صَبِيح ت: (١٨٣) قال لهارون الرشيد لما أتى بقلة ٍ فيها ماء مبرد: بكم كنت مشتريًا هذه الشربة لو منعتها؟ فقال بنصف ملكي، فلما شرب، قال: أرأيت لو منعت خروجها من بدنك بكم كنت تشتري ذلك؟ فقال: بنصف ملكي الآخر، قال: إن ملكًا قيمة نصفه شربة ماء، وقيمة نصفه الآخر بولة لخليق أن لا يتنافس فيه.
1 / 7
ب- ويأتي العلم بمعنى غلبة الظن، ومنه قول الله ﵎ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ الممتحنة الآية ١٠.
فالمراد من قوله - جل وعلا -: "فإن علمتموهن" أي: غلب على ظنكم إيمانهن عن طريق الأمارات، وذلك بأن تستحلف المرأة المهاجرة أنها ما خرجت من بغض زوجها، ولا عشقها لرجل في غير بلدها، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماسًا لدنيا بل هاجرت حبًا لله ﷻ، ولرسوله ﷺ.
وإنما كان العلم هنا بمعنى غلبة الظن؛ لأن الركن الأعظم لقبول الإيمان محله الجنان، وذلك مما لا يطلع عليه إنس ولا جان، إنما استأثر بعلمه الرحيم الرحمن، فلا يطلع على ما في القلوب إلا علام الغيوب ﷾ (١) .
معنى "العلم" في الاصطلاح:
تنوعت عبارات العلماء في تحديد معنى العلم في الاصطلاح إلى أقوال كثيرة وأولاها عندي بالقبول أن يقال في تحديده: هو صفة ينكشف بها المطلوب (٢) .
معنى "علم التوحيد" باعتباره علمًا مركبًا على العلم المعهود:
_________
(١) انظر تقرير ذلك وإيضاحه في كتب التفسير ففي مدارك التنزيل: (٥/١٨٨) " فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ " العلم الذي تبلغه طاقتكم، وهو الظن الغالب بظهور الأمارات، وتسميه الظن علمًا يؤذن بأن الظن، وما يقضي إليه القياس جارٍ مجرى العلم ... إلخ وقد تتابع المفسرون على هذا انظر: مفاتيح الغيب: (٢٩/٣٠٦)، والبحر والمحيط: (٨/٢٥٦) وإرشاد العقل السليم: (٨/٢٣٩) والسراج المنير: (٤/٢٦٥)، وروح البيان: (٩/٤٨٢)، وفتح القدير: (٥/٢١٥)، وروح المعاني: (٢٨/٧٦) .
(٢) انظر تنوع تلك العبارات وتفصيلها في إرشاد الفحول: (٤) .
1 / 8
علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية - من أدلتها الثابتة اليقينية (١) .
موضوع علم التوحيد:
يبحث علم التوحيد في ثلاثة أشياء، عليها مداره، وهي:
١- ذات الله ﷻ من حيث ما يتصف به، وما يتنزه عنه، وما يجب له على عباده.
٢- ذوات الرسل الكرام - عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام - من حيث ما يلزمهم، وما يجوز في حقهم، وما يستحيل عليهم، وبيان حقوقهم على أممهم.
٣- السمعيات من حيث وجوب اعتقادها، والمراد بالسمعيات: الأخبار المتعلقة بيوم القيامة وما يكون فيه من إهانةٍ أو إكرامٍ، وما يسبقه من حوادث جسام، وما يرتبط بذلك من تفصيلات وأحكام (٢) .
ثمرة علم التوحيد، وفائدته:
أعظم ثمرات "علم التوحيد" وأبرز فوائده ثلاث، وهي:
١- معرفة الله ﵎ معرفة حقيقية.
٢- انشراح الصدر، وطمأنينة القلب عن طريق الوقوف على الأدلة القطعية.
٣- الفوز بالسعادة الأبدية (٣) .
فضل "علم التوحيد" ومنزلته:
علم التوحيد أشرف العلوم رتبة، وأرفعها منزلة، وأعلاها درجة.
وبيان هذا: أن منزلة كل علم تتبين بالنظر في خمسة أمور، فإن تمت فيه، فمقام ذلك العلم ليس شيء يضاهيه، وتلك الجوانب هي:
١- موضوعه: وعلم التوحيد أشرف العلوم موضوعًا، لتعلقه برب العالمين، وبصفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين - عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم - وبما يتعلق بيوم الدين، ومن المعلوم أن المتعلِق - بكسر اللام - يشرف بشرف المتعلَق - بفتحها.
٢- معلومه: وعلم التوحيد أشرف العلوم معلومًا، كيف لا، وهو مراد الله الشرعي الدال عليه وحيه، الجامع للعقائد الحقة.
_________
(١) انظر تحفة المريد: (١/١٢) .
(٢) انظر ذلك مختصرًا في تحفة المريد: (١/١٢) .
(٣) انظر ذلك مختصرًا في تحفة المريد: (١/١٢) .
1 / 9
٣- وثاقة (١) دليله: وعلم التوحيد أقوى العلوم دليلًا، حيث يدل عليه صرائح العقول والنقل الصحيح المتلقى بالقبول.
٤- غايته وفائدته: وعلم التوحيد أعلا العلوم غاية، وأعظمها فائدة، وهي باختصار حصول السعادة في جميع الأحوال والأطوار.
٥- شدة الاحتياج إليه: ولعلم التوحيد في ذلك نصيب لا يدانيه فيه علم من العلوم حيث طولب به جميع المكلفين، فحاجتهم إليه ضرورية ماسة، ولا يسقط عنهم في حين من الأحايين (٢) .
وإنما اشتدت الحاجة إلى علم التوحيد، لعظم غايته، وعدم الاستغناء عن فائدته، فسعادة المرء في الدارين متوقفة عليه، فالجنة لا يدخلها إلا الموحدون الأبرار، ولن ينال المشرك رحمة العزيز الغفار، قال الله – ﷿ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ غافر١٠ وقال – جل وعلا - إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ المائدة٧٢.
وفي الدنيا لن يستريح فكر الإنسان، ولن يهدأ باله إلا إذا أزيلت عنه العقدة الكبرى عن طريق تبصيره بمن أوجده، ولم أوجده، وإلى أي شيء سيصير وما صلته بهذا الكون الفسيح، وما الذي كان قبل هذا الكون، وماذا سيكون بعده؟.
فإذا بصر بذلك عن طريق الأدلة اليقينية المقنعة انشرح صدره واستنار فكره، واطمأن قلبه، فيحيى حياة طيبة.
_________
(١) بفتح الواو: وَثِقَ يَثِقُ – بالكسر فيهما – وثاقة: الشيء الوثيق المحكم – كما في اللسان: (١٢/٢٥٠) "وثق".
(٢) انظر تلك الأمور مفرقة في الذريعة إلى مكارم الشريعة: (١٢١)، وبصائر ذوي التمييز: (١/٤٤-٤٥)، وشرح الطحاوية: (١٣)، وروح المعاني: (١/٥)، وتحفة المريد: (١/١٢) وانظر تفضيل بعض أنواع العلم على غيرها، وبيان علة ذلك في الإحياء: (١/٣٥-٥١)، وجامع بيان العلم وفضله: (٢/٣٦-٤٠) .
1 / 10
وإذا لم يهتد لإزالة العقدة الكبرى عن طريق الأدلة المقنعة إما لعدم بلوغه ذلك ووقوفه عليه، أو لعناده وجحوده، فالعجماوات خير منه قال الله – ﵎: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ الأنعام١٢٢، وقال – جل وعلا - ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ الأعراف١٧٩.
ولقد بين لنا نبينا – ﷺ – حال المؤمن الموحد، وحال المشرك الجاحد في هذه الحياة الدنيا فقال: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خيرٌ وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" (١) .
وهذه الخيرية، وتلك السعادة هما جنة الله العاجلة قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – يقول: إن في الدنيا جنة، من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة.
_________
(١) الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب الزهد – باب المؤمن أمره كله خير – رقم: (٢٩٩٩) والإمام أحمد في مسنده: (٤/٣٣٢،٣٣٣) ٦/١٥-١٦ عن صهيب – ﵃ أجمعين – ورواه أحمد في المسند عن سعد بن أبي وقاص – ﵁: (١/١٧٣، ١٧٧، ١٨٢) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (٧/٢٠٩) رواه أحمد بأسانيد رجال الصحيح أ. هـ ورواه أيضًا الإمام أحمد عن أنس بن مالك ﵃ أجمعين – في (٢/١١٧، ١٨٤)، وأبو يعلى أيضًا كما في مجمع الزوائد: (٧/٢١٠) وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، وأحد أسانيد أبي يعلى رجاله رجال الصحيح غير أبي بحر ثعلبة وهو ثقة أهـ.
1 / 11
وهذه الجنة هي محبة الله تعالى، ومعرفته ودوام ذكره، والسكون إليه، والطمأنينة إليه وإفراده بالحب، والخوف، والرجاء، والتوكل، والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإراداته، هو جنة الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين، وحياة العارفين.
ولو لم يكن للموحد جزاء إلا ما يحصله في عاجلة من اللذة والانشراح والراحة والطمأنينة والأنس والبهجة، لكفى به جزاءً، وكفى بفوته حسرة وعقوبة، فوالله، ثم والله ما طابت الدنيا إلا بمعرفته ومحبته وطاعته، وما طابت الجنة إلا برؤيته ومشاهدته، وأهل الدنيا هم المساكين خرجوا منها وماذا ذاقوا أطيب فيها (١) وهم وإن هملجت بهم البراذين، وطقطقت بهم البغال، إن أثر ذل المعصية لفي قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه (٢) .
_________
(١) انظر جميع ذلك في الوابل الصيب من الكلم الطيب: (٦٣-٦٢)، وذكر بعضه في إغاثة اللهفان: (١/٧٢) .
(٢) هو من كلام الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – كما في إغاثة اللهفان: (٢/١١٨) وروضة المحبين: (١٠٢)، والبرذون: الدابة معروف، والأنثى برذونة، وجمعه: براذين – والبراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العراب، انظر لسان العرب – فصل الباء من حرف النون: (١٦/١٩٥)، وقال السخاوي في فتح المغيث: (١/٢٨٠) هو الجافي الخلقة الجَلْد على السير في الشعاب والوعر، من الخيل غير العربية، وأكثر ما يجلب من بلاد الروم، أهـ ويعرف عندنا ببلاد الشام بالكديش، وقال المطرزي في المغرب: البرذون: التركي من الخيل، وانظر تهذيب اللغة: (٥/٥٥) والمخصص لابن سيده: (٦/٢٠٥)، والهملجة والهملاج: حسن سير الدابة في سرعة وبخترة كما في اللسان "همج" (٣/٢١٧)، والطقطقة: صوت قوائم الخيل على الأرض الصلبة كما في اللسان (طقق): (١٢/٩٥) .
1 / 12
ولتلك الاعتبارات كان علم التوحيد أصل العلوم الدينية، وما سواه من علوم الشرع فرع ولله در الإمام أبي حنيفة – عليه رحمة الله تعالى – ما أفقهه، وأبعد نظره عند ما سمي ما جمعه في أصول الدين بـ "الفقه الأكبر" (١) وللإمام ابن القيم – نور الله مرقده – كلام محكم متين، في بيان منزلة علم التوحيد بين سائر علوم الدين، فقال ما نصه: إن كل آية في القرآن متضمنة للتوحيد شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن:
١- إما خبر عن الله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري.
٢- وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي.
٣- وإما أمر ونهي، وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته.
٤- وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده.
٥- وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقه، وجزائه، وفي شأن الشرك، وأهله، وجزائهم (٢) .
أقسام التوحيد
_________
(١) والكتاب مطبوع، وهو صغير الحجم، كبير الشأن، يقع في أربع صفحات من الحجم الكبير وقد شرحه الشيخ الملا على القاري في سبعين ومائة صفحة من القطع الكبير والكتابان مطبوعان معًا في مصر سنة ١٣٢٣هـ، وأعيد طبعهما بالأوفست في بيروت سنة ١٣٩٩هـ.
(٢) انظر مدارج السالكين: (٣/٤٤٩-٤٥٠)، ومنه أخذ العلامة ابن أبي العز الحنفي ذلك وقيده في شرح الطحاوية: (٣٥)، والشيخ ملا على القاري في شرح الفقه الأكبر: (٨) دون عزو لمصدر ذلك في الكتابين، ومن بركة العلم إضافته لقائله، وقد أحسن الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في فتح المجيد: (١١) حيث عزا ذلك الكلام لقائله الهمام العلامة ابن القيم – عليه رحمة الرحيم الرحمن –.
1 / 13
ينقسم التوحيد الذي نزلت به كتب الله – جل وعلا – ودعا إليه رسله الكرام – عليهم صلوات الله وسلامه – إلى قسمين:
الأول: توحيد في القصد والطلب، والإرادة والعمل، وهو المعروف بـ "توحيد الألوهية"، "توحيد العبادة" ويقوم هذا القسم من التوحيد على ركنين، وأساسين متينين:
أ) أن لا يعبد إلا الله – ﵎ –.
ب) أن تكون عبادته بما شرع، لا بالأهواء والبدع.
وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله – ﷺ، وبهما يحصل ترجمانها، فالشق الأول من الشهادة يدل على إفراد الله بالعبادة، فالإله معناه: المعبود، ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحقٍ سواه (١) .
والشطر الثاني من الشهادة يدل على وجوب متابعة النبي – ﷺ – والالتزام بشرعه.
وقد جمع الله العظيم هذين الأصلين في كثير من آي القرآن الحكيم، فقال – جل وعلا ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ الكهف ١١٠، وقال – جل وعلا – ردًا على اليهود والنصارى حين زعم كل منهم أن الجنة خاصة بهم، ولن يدخلها غيرهم: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ البقرة١١٢وقال – ﷿ ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ النساء١٢٥.
_________
(١) ألف الإمام الزركشي كتابًا حافلًا في معنى "لا إله إلا الله" طبع في مصر ١٩٨٢م بتحقيق على محي الدين القره داغي، بلغت صفحات الكتاب مع التحقيق والتعليق قرابة مائتي صفحة، وقرر في (٨٠-٨١) أن الخبر مقدر، وتقديره بحق أحسن ما يقال في ذلك، لتكون الكلمة جامعة لثبوت ما لا يستحيل نفيه، ونفي ما يستحيل ثبوته.
1 / 14
فالعمل الصالح هو الإحسان، وهو فعل الحسنات، والحسنات هي: ما أحبه الله – ﷻ، ورسوله – ﷺ، وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب، ويدخل في هذا المباح إذا قصد به الطاعة، وخرج بذلك أمران:
أالبدع المحدثة في دين الله – جل وعلا – فليست من المحسنات، ولا من العمل الصالح ولا يحبها الله، ولا رسوله – ﷺ – وهي مردودة على صاحبها، ووبال عليه كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله – ﷺ – أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ" وفي رواية لمسلم – ﵀ – "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"ٌ (١) .
ب وخرج ما نهي الله عنه مما لا يجوز فعله، كالفواحش والظلم، فليس ذلك من الحسنات، ولا من الأعمال الصالحات.
_________
(١) انظر صحيح البخاري – كتاب الصلح – باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود – (٥/٣٠١) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب الأقضية – باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور – رقم (١٧١٨،١٧١٩)، وانظر في سنن أبي داود – كتاب السنة – باب في لزوم السنة: (٥/١٢) وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب في تعظيم حديث رسول الله – ﷺ – والتغليظ على من عارضه: (١/٧)، ومسند الإمام أحمد: (٦/٢٧٠)، ورواية الإمام مسلم الثانية علقها الإمام البخاري بصيغة الجزم في كتاب البيوع – باب النجش: (٨٥-٤/٣٥٥)، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا": (١٣/١٧) بشرح ابن حجر فيها، ورواها الإمام ابن أبي عاصم في السنة: (١/٢٨) رقم (٥٢) ورواها الإمام أحمد في المسند: (٦/١٣٦)، وورد الحديث بلفظ آخر عند أبي داود في المكان المتقدم ولفظه: "من صنع أمرًا على غير أمرنا فهو ردٌ" وجميع الروايات المتقدمة عن أمنا عائشة – ﵂ –.
1 / 15
وقد بين لنا النبي – ﷺ – الحلال من الحرام، وتركنا على المحجة الواضحة البيضاء، ليلها كنهارها، ولا يزيغ عنها إلا هالك (١)
_________
(١) المحجة بفتحتين: جادة الطريق كما في مختار الصحاح: (١٣٩) "حجج" وفي مسند الإمام أحمد: (٤/١٢٦)، ومستدرك الإمام الحاكم: (١/٩٦) – كتاب العلم – وسنن الإمام ابن ماجه – المقدمة – باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين: (١/١٦) بسند صحيح، وفي كتاب السنة أيضًا للإمام ابن أبي عاصم: (١/٢٧) رقم (٤٨) بسند حسن كما في الترغيب والترهيب: (١/٨٨) عن العرباض بن سارية – رضي الله تعالى عنه – قال قال رسول الله – ﷺ: "لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك"..
1 / 16
ففي الصحيحين عن النعمان بن بشير – رضي الله تعالى عنهما – قال سمعت رسول الله – ﷺ – يقول: "إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما متشبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلَحَتْ صَلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (١) .
هذا ما يتعلق بالركن الثاني: وهو: أن تكون – عبادة الله جل وعلا – بما شرع، لا بالأهواء والبدع، فالاعتصام بالسنة نجاة، قال الإمام مالك – رحمه الله تعالى -: السنة مثل سفينة نوح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك (٢) .
_________
(١) انظر صحيح البخاري – كتاب الإيمان – باب فضل من استبرأ لدينه -: (١/١٢٦) وكتاب البيوع – باب الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات: (٤/٢٩٠) بشرح ابن حجر فيها، وصحيح مسلم – كتاب المساقاة – باب أخذ الحلال وترك الشبهات رقم: (١٥٩٩) ورواه أبو داود في كتاب البيوع – باب في اجتناب الشبهات -: (٣/٦٢٣) رقم (٣٣٢٩،٣٣٣٠) والترمذي في أول كتاب البيوع – باب ما جاء في ترك الشبهات – (٣/٥٠٢) رقم (١٢٠٥)، والنسائي في كتاب البيوع – باب اجتناب الشبهات في الكسب: (٧/٢١٣) وفي كتاب الأشربة – باب الحث على ترك الشبهات: (٨/٢٩٣) وابن ماجه في كتاب الفتن – باب الوقوف عند الشبهات: (٢/١٣١٨)، والدارمي في أول كتاب البيوع – باب في الحلال بين والحرام بين: (٢/٢٤٥)، وأحمد في المسند: (٤/٢٦٧، ٢٦٩، ٢٧٠، ٢٧١، ٢٧٥) .
(٢) انظر ذلك مع التفصيل والتوضيح في مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (٤/١٣٧) .
1 / 17
وأما الركن الأول فيدل عليه قوله – ﵎ ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ الكهف ١١٠، وقوله ﴿أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ﴾ والمراد: إفراد الله - جل وعلا – بالعبادة، وإخلاص الدين لله وحده، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عمر بن الخطاب – ﵁ – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسم – يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (١) .
_________
(١) الحديث أول حديث في صحيح البخاري – كتاب بدء الوحي -: (١/٩)، وكرره في ستة مواضع أخرى كتاب الإيمان – باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى: (١/١٣٥)، وكتاب العتق باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق: (٥/١٦٠)، وفي كتاب فضائل الصحابة – باب هجرة النبي – ﷺ – وأصحابه – ﵃ – إلى المدينة: (٢٢٦)، وفي كتاب النكاح – باب من هاجر أو عمل خيرًا لتزويج امرأة فله ما نوى: (٩/١١٥)، وفي كتاب الإيمان والنذور – باب النية في الإيمان: (١١/٥٧٢)، وفي كتاب الحيل – باب في ترك الحيل، وأن لكل امرئ ما نوى: (١٢/٣٢٧) بشرح ابن حجر في الجميع، وانظره في صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب إنما الأعمال بالنية رقم (١٩٠٧) ورواه أبو داود – كتاب الطلاق – باب فيما عنى بالطلاق والنيات: (٢/٦٥١٩)، والترمذي- كتاب الجهاد باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا: (٤/١٨٠)، والنسائي – كتاب الطهارة – باب النية في الوضوء: (١/٥١)، وفي كتاب الطلاق – باب الكلام إذا قصد به فيما يحتمل معناه: (٦/١٢٩)، وفي كتاب الإيمان – باب النية في اليمين: (٧/١٢)، وابن ماجة في كتاب الزهد – باب النية: (٢/١٤١٣) وأحمد في المسند: (١/٢٥،٤٧) .
1 / 18
وهذه الأحاديث الثلاثة عليها تدور جميع الأحاديث، وهي أصول الإسلام كما روى ذلك الإمام أحمد – نضر الله وجهه ونور مرقده – (١) .
ووجه ذلك أن حديث النعمان بن بشير – ﵄ – يدل أن النبي – ﷺ بين لنا جميع ما يتعلق بحياتنا فعلًا وتركًا، فيجب علينا الأخذ بالحلال، والبعد عن الحرام، وما اشتبه علينا أمره، نتوقف فيه حتى يتبين لنا حكمه (٢) .
وذلك المسلك منا ينبغي أن يكون على الكيفية الواردة عن نبينا – ﷺ – دون زيادة أو نقصان، أو تغيير، وهذا هو مدلول حديث أمنا عائشة – ﵂ –.
أما حديث عمر – ﵁ – فيدل على أنه لا بد من حسن الباطن كما حسن العمل في الظاهر، فذلك مسلك عباد الله المخلصين، أما الاختلاف بينهما، ومغايرتهما لبعضهما فشأن المنافقين – نسأل الله الكريم طهارة القلوب من جميع الآفات والعيوب.
_________
(١) انظر جامع العلوم والحكم: (١٠) وانظر ما يتعلق بهذا الموضوع في شرح النووي لصحيح مسلم: (١٣/٥٣)، وفتح الباري: (١/١١)، والفتح المبين: (٤٩)، والفتوحات الربانية على الأذكار النواوية: (٦٤-٦٥) .
(٢) وفي مستدرك الحاكم – كتاب الرقاق: (٤/٣١٩) بإسناد صحيح أقره الذهبي، وسنن الترمذي – كتاب صفة القيامة – باب (من درجات المتقين): (٧/١٦٠) وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب الورع والتقوى: (٢/١٤٠٩)، وسنن البهيقي: (٥/٣٣٥) كتاب البيوع – باب كراهية مبايعة من أكثر ماله من الربا وثمن المحرم، ومعجم الطبراني الكبير كما في جمع الجوامع: (١/٩١٩) عن عطية السعدي قال قال رسول الله – ﷺ: "إن الرجل لا يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذرًا لما به بأس".
1 / 19
هذا وقد أولى السلف الصالح ركني توحيد العبادة عناية عظيمة، فجعلوهما نُصْبَ أعينهم وسألوهما من ربهم فعمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – كان يقول: اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا.
والفضل بن عياض – عليه رحمة الله تعالى – يقول في تفسير قول الله تعالى شأنه -: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ الملك٢: أخلصه، وأصوبه، قالوا يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا، والخالص أن يكون لله – جل وعلا -، والصواب أن يكون على السنة (١) .
_________
(١) انظر أثري عمر والفضيل – ﵄ – مع الكلام على ركني توحيد العبادة في مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (١٠/١٧٢-١٧٤)، (١/٣١٠-٣١١)، وانظر قول الفضيل أيضًا في جامع العلوم والحكم " (١٠-١١)، ومدارج السالكين: (١/٨٣-٨٤)، ومجموع الفتاوى أيضًا: (١١/٦٠٠)، (١/٣٣٣) والفضيل عياض هو سيد المسلمين في وقته كما قال الشيخ ابن تيمية: (١١/٦٠٠) "مجموع الفتاوى" وقد أخرج حديثه الستة إلا ابن ماجه، وهو ثقة إمام عابد كما في تقريب التهذيب: (٢/١١٣) وفي الميزان: (٣/٣٦١) شيخ الحرم، وأحد الأثبات، مجمع على ثقته وجلالته أهـ ومن أقواله التي تدل على عظيم حاله: إني لأعصي الله، فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي كما في حلية الأولياء: (٨/١٠٩)، وصفة الصفوة: (٢/٢٣٨)، وقوت القلوب: (١/٣٧٧)، والإحياء: (٤/٥٣)، ومختصر منهاج القاصدين: (٢٨١)، وفي الكتب الثلاثة الأخيرة أيضًا أنه كان يقول: الاحتلام عقوبة، ولا تفوت أحدًا صلاة في جماعة إلا بذنب يحدثه انظر ترجمته العطرة في الحلية: (٨/٨٤-١٣٩)، وصفة الصفوة: (٢/٢٣٧-٢٤٧)، وقال مؤلفه: اقتصرنا على هذا القدر من أخبار الفضيل، لأنا قد أفردنا لكلامه ومناقبه كتابً فمن أراد الزيادة فلينظر في ذلك الكتاب وانظر سبب توبته في تفسير القرطبي: (١٧/٢٥٠) وكتاب التوابين: (٢٠٧-٢٠٨) والبداية والنهاية: (١٠/١٩٩) .
1 / 20