Taariikhdii Boqorradii Tabaacinada
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Noocyada
لكم تمنى الوزير الحكيم «يثرب» أن يطول به المقام في هذه البلاد العاطرة، على مقربة من «بيت الله».
فلقد شعر بالارتياح، الذي شاركه الملك التبع ذو اليزن، الإحساس به عميقا جارفا، خاصة وبعدما شفي من بلائه عقب إقدامه على كسوة الكعبة.
بل إن ما ضاعف من انشراح قلب الوزير الأول، هو ذلك النمو المطرد الذي بدت عليه المدينة التي أقدم على تشييدها «يثرب»، والتي تلاحق عمرانها وعمرت أسواقها بكل منتجات بلاد العرب والعجم والهند وبلاد الشام ومصر وقرطاج والحبشة.
فأقيمت المباني وشقت الطرقات وأنشئت الحدائق وملاعب سباق الخيل على ضفاف أنهارها وبساتينها التي اجتذبت الزائرين ووفود الحجيج من كل مكان.
بل إن المدينة وصلت إلى ذروة بهائها وعطائها إلى حد أن الملك التبع نفسه ذو اليزن لم يعد بقادر على فراق يثرب وحلو لياليها وسمرها، ليواصل زحفه على رأس جيشه إلى بقاع لبنان محط آماله عبر رحلة زحفه وفتوحاته، مرورا ببلاد السرو وعبادة وأرض فلسطين ووصولا إلى السودان والحبشة.
فلقد كانت تلك الرحلة الشاقة المضنية، هي الحلم الأزلي للملك منذ صباه. - البحث عن كتاب النيل. - كيف؟ - مصادر النيل.
سأله الوزير ذات مرة: أتقصد من أين يجيء النهر؟
أجابه ذو اليزن، منكبا بكامله على استكمال مخطوطة دونت صفحاتها على رقائق من جلود الأيائل البرية قائلا: المنابع.
ولعل ذلك الاهتمام من قبل الملك بالماء مصدر كل حياة ونمو، نبت معه كهواية ومنذ صباه المبكر، وكان أيامها في الحادية عشرة من عمره، وهو ما دفع بالوزير يثرب إلى احتضانه إياه، وتبنيه منذ تلك السن، وكما لو كان ابنه أكثر منه معلمه الذي اصطفاه، وهو ابن عمرو القتيل.
فلقد كان الماء ومصادره ومكوناته وطرق التحكم فيه وتطويعه لخدمة الناس هو الاهتمام الأول لذو اليزن أينما حل، فهو موضوعه الذي لا يمل الحديث عنه والقراءة فيه. - فهو ذو اليزن؛ أي ابن ماء اليزن.
Bog aan la aqoon