Taariikhdii Boqorradii Tabaacinada
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Noocyada
بل إن الوزير أسرع من فوره مشيرا لأقرب الجواري بالإسراع بإغلاق كل الشرفات والمنافذ والأبواب، خشية تسرب كارثة موت التبع ذو اليزن دون أن تغفل عيناه عن قمرية التي أخرجتها فاجعة زوجها وحبيبها عن كل طور، فمضت ناشبة أظافرها في كل ما صادفها، وجهها المجهد، شعرها، دروعها التي هي دروع الملك ذاته ولحيته، هنا صرخ يثرب في حذر: الناس ... مشاعر الناس.
فالوزير الحكيم هو الأقدر على معرفة مشاعر الجموع التي أسكرها النصر الساحق على ذلك الملك الحبشي - أرعد - المعتدي المتحين لكل ثغرة ضعف تلحق بالعرب.
إلا أن قمرية التي تقمصت وأدت بمهارة دور الملك، دافعة بأعدائه الطامعين إلى الدمار المحقق، لم تع من فورها تصرف الوزير يثرب واندفعت كالمخبولة لا تبقي على شيء وهي تحتضن الجثمان المسجى الذي أغرقته بدموعها لاهثة مشيرة إلى بطنها. - ألم تعدني بالانتظار إلى أن ترى وليدنا؟ ها هو يتحرك في أحشائي، ضع يدك، ها هو سيف، وحيدك، اليتيم!
وكلما ارتفع صوتها، حاول الوزير إعادة تعقيلها وتبصيرها مشيرا إلى دوي تكبير الجماهير وجنونها بالنصر. - المهم أحزان قمرية وثورتها دفعت بها إلى إزاحة الوزير العجوز يثرب، إلى حد إسقاطه أرضا، فجلس مكانه منتحبا باكيا. - هكذا.
قاربته قمرية ملتاعة، وهي تسقط إلى جانبه نادبة، فما كان منه سوى احتضانها في أبوة مهدئا مستوضحا: ليس هذا أوانه، أنا أكثر منك معرفة بهم، وهذا تصرفك أنت بملابسك ولحية التبع هذه ، هذه، تحسست قمرية وجهها، كمن أفاقت فجأة من غفوتها، وما إن حل الصمت، حتى صمت آذانها الهتافات المدوية العاتية التي ترددت أصداؤها في أرجاء المدينة الواسعة. - أتسمعين يا ابنتي؟! - أسمع.
نطقت بتخاذل وهي تسند نفسها محاولة الوقوف، واضعة وجهها بكامله بين راحتيها: أهكذا تمضي بنا الحياة؟! حتى أحزاني علي أن أقتلها بداخلي!
أردف يثرب: حفاظا على الملك، حبيبك ... ذكراه ... الآن ... الآن فقط، مجرد ساعات لا غير ... ساعات معدودة اسمعيني ... لا غير.
هنا أسلمت قمرية مقاليدها للوزير يثرب وجلست على فراش الملك آخذة رأسه مهدهدة بين ساعديها، تندب ما بها بلا صوت.
ثم هبت فجأة فخلعت عنها دروعها وتاج الملك ولحيته متخففة، وتمددت إلى جواره، تنعيه في إعياء واضح.
بينما اتجه الوزير يثرب منسلا، إلى الشرفة البحرية، لمواجهة الجموع والأقوام المطالبة برؤية الملك، فناشدهم الهدوء نظرا لمرض الملك التبع، الذي خلد من فوره للنوم، نظرا إلى مرضه. - كما تعلمون جميعكم، فمن أحب ذو اليزن دعا له بالشفاء، ولزم الهدوء.
Bog aan la aqoon