139

Sirat Abi Tayr

سيرة أبي طير

تفصيل القصه في ذلك قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: كنت في ناحية المغرب قافلا من الحركة إلى الجهات المخلافية لحوادث بلغت أمير المؤمنين من الأمراء أولاد يحيى بن حمزة وما هم بصدده وما يهمون به من الفتك بحصن الموقر، فلما انحسمت مادة الفساد منهم وعدت إلى موضع ما بين قطيب ومسور بلغني بريد أمير المؤمنين عليه السلام من ثلاء المحروس يستنهض فيمن معي ويأمرني بالتماس قوم من أهل مسور وغيرهم من أجواد الناس أهل الشدة والبأس ممن له عادة بأخذ الحصون واستراقها والفتك بها، وفعلت ما أمر به، ونهضت في قوم ممن أشار إليه وهم قريب من مائتي [45ب-أ] رجل، فيهم جماعة من السلاطين الأجلاء الحسام بن صعصعة وبعض إخوته وبني عمه ومن ينضاف إليهم، ومن المشائخ بني حجاج بن منصور بن إبراهيم، فلما وصلنا إلى مدينة ثلاء استقبلنا أمير المؤمنين عليه السلام بما هو أهله من الإنصاف ولم ألبث أن خلى بي وأعلمني القصة وما قد عزم عليه وأبرمه من أخذ كوكبان، وفيما أحسب أن القوم الذين صوروا له صورة الدخول لم يصدقوه الخبر أو جهلوا ذلك، فعرضت له تعريض محذر له من الإصغاء إلى من لا يؤمن مخادعته وقلة صدقه فلم أره ملتفتا لما أردت بل سمع بوادر من لم ينصحه، فلما كان من الغد من وصولنا خرج أمير المؤمنين عشية وأمر باجتماع الناس، فانتقى من أجوادهم وشجعانهم وكبارهم عسكرا فيما أحسب أنه فوق الثلاثمائة وجهز عسكرا آخر قريبا من ذلك ليأتوا من نهج باب الظلع والأولون يأتون من الموضع الذي صور له عليه السلام وهو ما بين الحديدة والركن المطل على مدينة شبام وهو من أصعب موضع في الجبل ولم يعد سرا إلا علي وجماعة مخصوصين من المقدمين وذلك عند غروب الشمس من يوم فرغ فهبطنا من مدينة ثلاء منتهجين طريق الحشب يروي الناس ذلك، وسرنا إلى أن دخل الليل فتراكم السحاب واشتدت غياهب الظلام حتى أن الواحد منا لا يكاد يعرف صاحبه الذي بجنبه إلا بصوته، وكان في مقدمة العسكر من أهل ثلاء الشيخ المكين علي بن سليمان بن سري، فلما بلغنا إلى فوق الشعب قريبا من الأودوع أعلمت العسكر وأمرتهم بتقوى الله سبحانه وإخلاص النية وخص المقصود والصبر في سبيل الله تعالى فاضطربت خواطرهم من ذلك، فتقدم الناس على رسلهم، فلما بلغو منهلا هناك توارده الناس الأول فالأول وهم يصدرون عنه أرسالا، فمر أهل ثلاء ومن ينضاف إليهم من البلاد الحميرية عن يمينهم في طريقهم وهبطت ومن معي من المتأخرين من الشعب ظنا منا أن الطريق واحدة ولا علم لنا بمرورهم هناك، فلما بلغنا قعر الشعب انقطع عنا حسهم ولم ندر أين توجهوا وقلت في نفسي: الموضع المقصود يعرفه المقدمون على العسكر وإن تفرقت الطريق فهو يجمعنا فلن نعرج عليهم، وسرنا على غير طريق مسرعين حتى بلغنا قريبا من ركن الجديدة في كوكبان وهو الموضع الذي يصعد منه، فلما بلغنا هنالك لم نسمع لهم حسا، فأمرت السلطان الأجل عصان بن صعصة في جماعة من أصحابه بعد أن أعلمتهم هناك القضية فصعدو في الجبل حتى بلغو إلى موضع لا يمكنهم صعوده فعادوا وحكوا أنهم ما وجدوا أثرا ولا سمعوا حسا فعند ذلك ظننا أن عائقا عاقهم فوقفنا ننتظرهم في ذلك الموضع إلى أن مضى أكثر الليل وانتقلنا من موضعنا ذلك إلى موضع [46أ-أ] آخر وقد غلب على الظن رجوعهم، وكانوا لما أبطأنا عنهم ظنوا بنا مثل ذلك فساروا طريقا آخر وبلغوا الجبل آخر ليلتهم ومعهم الأرشية والآلآت المعدة لذلك، فلما وصلوا إلى الموضع الذي يعرفه الدليل صعب على أكثر العسكر طلوعه واضطربوا اضطرابا شديدا وأيقنوا بالهلاك، فلم يصعد منهم إلا القليل الذي لا يمكن مثلهم أخذ الحصن مع سعته وقوة من فيه وهو حصن واسع لعل طوله قريبا من ميل.

Bogga 144