(وَقد ظلموه حِين سموهُ سيدا ... كَمَا ظلم النَّاس الْغُرَاب بأعورا)
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم إِن الْغُرَاب يبصر من تَحت الأَرْض بِقدر منقاره
قلت وَقَالَ أَرْبَاب طبائع الْحَيَوَان هَذِه الْمقَالة فِي الهدهد وَقَول الْعَرَب أشأم من غراب الْبَين إِنَّمَا لزمَه ذَلِك لِأَن الْغُرَاب إِذا بَان أهل الدَّار للنجعة وَقع فِي مَوضِع بُيُوتهم يتلمس ويتقمم فتشاءموا بِهِ وتطيروا مِنْهُ إِذْ كَانَ لَا يعتري مَنَازِلهمْ إِلَّا إِذا بانوا فَسَموهُ غراب الْبَين ثمَّ كَرهُوا إِطْلَاق ذَلِك الِاسْم مَخَافَة الزّجر والطيرة وَعَلمُوا أَنه نَافِذ الْبَصَر صافي الْعين فَقَالُوا أصفى من عين الْغُرَاب كَمَا قَالُوا أصفى من عين الديك وسموه الْأَعْوَر كِنَايَة كَمَا قَالُوا فِي الطَّيرَة من الاعمى بَصِير وَمن تشاؤمهم بالغراب اشتقوا مِنْهُ اسْم الاغتراب والغربة وَلَيْسَ فِي الأَرْض بارح وَلَا نطيح وَلَا قعيد وَلَا شَيْء مِمَّا يتشاءمون بِهِ إِلَّا والغراب عِنْدهم أنكد مِنْهُ ويرون أَن صياحه أَكثر أَخْبَارًا وَأَن الزّجر فِيهِ أَعم قَالَ عنترة شعر
(خرق الْجنَاح كَأَن لحيي رَأسه ... جلمان بالأخبار هش مولع)
وَقَالَ غَيره شعر
(وَصَاح غراب فَوق أَعْوَاد بانة ... بأخبار أحبابي فقسمني الْفِكر)
(فَقلت غراب باغتراب وبانة ... ببين النَّوَى تِلْكَ العيافة والزجر)
1 / 101