وأما الحس المشترك فهو بالحقيقة غير ما ذهب إليه من ظن أن للمحسوسات المشتركة حسا مشتركا بل الحس المشترك هو القوة التى تتأدى إليها المحسوسات كلها، فإنه لو لم تكن قوة واحدة تدرك الملون والملموس لما كان لنا أن نميز بينهما قائلين إنه ليس هذا ذاك، وهب أن هذا التمييز هو للعقل فيجب لا محالة أن يكون العقل يجدهما معا حتى يميز بينهما، وذلك لأنها من حيث هى محسوسة وعلى النحو المتأدى من المحسوس لا يدركها العقل كما سنوضح بعد، وقد نميز نحن بينها، فيجب أن يكون لها اجتماع عند مميز إما فى ذاته وإما فى غيره، ومحال ذلك فى العقل على ما ستعلمه، فيجب أن يكون فى قوة أخرى، ولو لم يكن قد اجتمع عند الخيال من البهائم التى لا عقل لها المائلة بشهوتها إلى الحلاوة مثلا أن شيئا صورته كذا هو حلو لما كانت إذا رأته همت بأكله كما أنه لو لا أن عندنا نحن أن هذا الأبيض هو هذا المغنى لما كنا إذا سمعنا غناءه الشخصى أثبتنا عينه الشخصية وبالعكس، ولو لم يكن فى الحيوان ما يجتمع فيه صور المحسوسات لتعذرت عليها الحياة ولم يكن الشم دالا لها على الطعم ولم يكن الصوت دالا إياها على الطعم ولم تكن صورة الخشبة تذكرها صورة الألم حتى تهرب منها، فيجب لا محالة أن يكون لهذه الصور مجمع واحد من باطن،
Bogga 164