فنقول الآن إن هذه الأفعال والأعراض هى من العوارض التى تعرض للنفس وهى فى البدن، ولا تعرض بغير مشاركة البدن، ولذلك فإنها تستحيل معها أمزجة الأبدان وتحدث هى أيضا مع حدوث أمزجة الأبدان، فإن بعض الأمزجة يتبعه الاستعداد للغضب وبعض الأمزجة يتبعه الاستعداد للشهوة وبعض الأمزجة يتبعه الجبن والخوف، ومن الناس من تكون سجيته سجية مغضب فيكون سريع الغضب، ومن الناس من يكون كأنه مذعور مرعوب فيكون جبانا مسرعا إليه الرعب، فهذه الأحوال لا تكون إلا بمشاركة البدن، والأحوال التى للنفس بمشاركة البدن على أقسام، منها ما يكون للبدن أولا ولكن لأجل أنه ذو نفس، ومنها ما يكون للنفس أولا ولكن لأجل أنها فى بدن، ومنها ما يكون بينهما بالسوية، فالنوم واليقظة والصحة والمرض أحوال هى للبدن ومباديها منه، فهى له أولا، ولكن إنما هى للبدن بسبب أن له نفسا، وأما التخيل والشهوة والغضب وما يجرى هذا المجرى فإنه للنفس من جهة ما هى ذات بدن وللبدن من جهة أنها لنفس البدن أولا وإن كان من جهة ما النفس ذو بدن - لست أقول من قبل البدن، وكذلك الغم والهم والحزن والذكر وما أشبه ذلك، فإن هذه ليس فيها ما هو عارض للبدن من حيث هو بدن، ولكن هذه أحوال شىء مقارن للبدن لا تكون إلا عند مقارنة البدن، فهى للبدن من قبل النفس إذ هى للنفس أولا وإن كانت للنفس من قبل ما هو ذو بدن - لست أقول من قبل البدن، وأما الألم من الضرب ومن تغير المزاج فإن العارض فيه موجود فى البدن لأن تفرق الاتصال والمزاج من أحوال البدن من جهة ما هو بدن وأيضا موجود فى الحس الذى يحسه من جهة ما يحسه ولكنه بسبب البدن، ويشبه أن يكون الجوع والشهوة من هذا القبيل، والخوف والغضب والغم فإن الانفعال الذى تعرض به يعرض أولا للنفس، وليس الغضب أو الغم من حيث هو غضب أو غم انفعالا من الانفعالات المؤلمة للبدن وإن كان يتبعه انفعال بدنى مؤلم للبدن مثل اشتعال حرارة أو خمودها وغير ذلك، فإن ذلك ليس نفس الغضب والغم بل أمرا يتبع الغضب والغم، ونحن لا نمنع أن يكون أمر الأخلق به أن يكون للنفس من حيث هو فى بدن ثم يتبعه فى البدن انفعالات خاصة بالبدن، فإن التخيل أيضا من حيث كونه إدراكا ليس من الانفعالات التى تكون للبدن بالقصد الأول، ثم قد يعرض من التخيل أن ينتشر بعض الأعضاء، وليس ذلك بسبب طبيعى أوجب أن مزاجا قد استحال وحرارة قويت وبخارا تكون ونفذ فى العضو حتى نشره، بل لما حصلت صورة فى وهم أوجبت الاستحالة فى مزاج وحرارة ورطوبة وريحا، ولولا تلك الصورة لم يكن فى الطبيعة ما يحركها،
Bogga 198