فيجتمع من هذا أن الفصول المقسمة للجنس الأسفل، ربما لم تكن مقسمة لما فوقه قسمة أولية ولا قسمة مستوفاة؛ والفصول المقسمة لما فوق، فى الأكثر من الأمر، لاتقسم ماتحت، بل تقومه . مثل الجسم ذى النفس الحساس، فإن الحساس لايقسم شيئا من أنواع الجسم ذى النفس. لكنه قد يوجد فى بعض المواضع فصول تقسم ما فوق وما تحت معا وجودا بحسب المشهور، وذلك حيث يكون للجنس فصول قريبة متداخلة، فإن الحيوان يقسم بالناطق وغير الناطق قسمة أولية، ويقسم أيضا بالمائت وغير المائت قسمة قريبة أولية، وكذلك يقسم بالماشى والسابح والطائر، فإذا ابتدئ فقسم بأحد هذه الوجوه، حتى كان مثلا حيوان ناطق وغير ناطق، أمكن أن يقسم الحيوان الناطق من القسمين بالمائت وغير المائت وغير المائت؛ وإذا ابتدئ فقسم بالماشى والسابح والطائر، أمكن أن يقسم الماشى بالناطق وغير الناطق؛ ومع ذلك فإن القسمة بالناطق وغير الناطق كان يجوز أن توافى الجنس أول شئ قبل القسمة بالمائت وغير المائت؛ والقسمة بالمائت وغير المائت كان يجوز أن توافى الجنس قبل القسمة بالناطق وغير الناطق. فما كان يبعد أن يقسم الحيوان إلى المائت وغير المائت، ثم يقسم المائت إلى الناطق وغير الناطق.
وقد بقى ههنا شئ واحد وهو أنه: هل المائت وغير المائت من الفصول الذاتية أو من اللوازم ؟ وكذلك هل الماشى ونظائره هى من الفصول الذاتية أو من اللوازم ؟ وإن كان المائت وغير المائت والماشى وما ذكر معه من اللوازم الغير المقومة، فهل يمكن هذا التداخل فى الفصول الذاتية الحقيقية ؟ لكن هذا النظر مما يخلق أن لاتفى به صناعة المنطقى، فليؤخر إلى موضعه.
والأجناس العالية قد تبين من أمرها أنها لايجوز أن يكون لها فصول مقومة، فلا يبعد أن يقع فى الأوهام أن الجنس العالى واحد؛ ولو كان كثيرا لانحصرت الكثرة فى جامع يحوج إلى فصل بعده. لكن الحق هو أن الأجناس العالية كثيرة؛ فلنبدأ أولا ولنضع هذه الأجناس وضعا، ثم نبحث عن أمرها بما يحوج إليه هذا النظر من البحث فنقول: إن جميع المعانى المفردة التى يصلح أن يدل عليها بالألفاظ المفردة لاتخلو عن أحد هذه العشرة. فإنها: إما أن تدل على جوهر، كقولنا: إنسان وشجرة؛ وإما أن تدل على كمية، كقولنا: ذو ذراعين ؛ وإما أن تدل على كيفية، كقولنا: أبيض؛ وإما أن تدل على إضافة، كقولنا: أب، وإما أن تدل على أين، كقولنا: فى السوق؛ وإما أن تدل على متى، كقولنا: كان أمس وعام أول؛ وإما أن تدل على الوضع، كقولنا: جالس وقائم؛ وإما أن تدل على الجدة والملك، كقولنا: منتعل ومتسلح؛ وإما أن تدل على يفعل كقولنا: يقطع؛ وإما أن تدل على ينفعل، كقولنا: ينقطع عن أشياء كثيرة ما هى - جوابا. ثم نقول: والمقول فى جواب ما هو قد يختلف بالعموم والخصوص فيكون بعضها أعم وبعضها أخص، فأعم المقولين فى جواب ما هو جنس للأخص، وأخصهما نوع للأعم. فإذا وجدنا النوع فهناك يقسم قسمة أخرى فنقول: إنه لا يخلو إما أن يكون النوع من شأنه أن يصير جنسا لنوع آخر، وإما أن لا يكون ذلك من شأنه، فهذه القسمة تنتهى إلى الخمسة انتهاء ظاهرا، وتكون طبيعة النوع متحصلة فيه، والنوع بالمعنى الآخر يدخل فيه بوجه. وأما القسمة الأولى فلم تكن كذلك.
Bogga 65