والنوع أيضا قد يقال فى لغة اليونانيين على معنى غير معنى النوع المنطقى؛ فإن اللفظ الذى نقلته الفلاسفة اليونانيين فجعلته لمعنى النوع المنطقى، كان مستعملا فى الوضع الأول عند اليونانيين على معنى صورة كل شئ وحقيقته التى له دون شئ آخر، فوجدوا صورا وماهيات للأشياء التى تحت الجنس، يختص كل واحد منها بها، فسموها، من حيث هى كذلك، أنواعا. وكما أن لفظة الجنس كانت تتناول المعنى العامى والمعنى المنطقى، ولفظة النوع مطلقا كانت تتناول المعنى العامى والمعنى المنطقى، فكذلك لفظة النوع المنطقى تتناول عند المنطقيين معنيين: أحدهما أعم والآخر أخص. فإما المعنى الأعم فهو الذى يرونه مضايفا للجنس، ويحدونه بأنه المرتب تحت الجنس، أو الذى يقال عليه الجنس، وعلى غيره بالذات، وما يجرى هذا المجرى. وأما المعنى الخاص فهو الذى ربما سموه باعتبار ما، نوع الأنواع، وهو الذى يدل على ماهية مشتركة لجزيئات لاتختلف بأمور ذاتية. فهذا المعنى يقال له نوع بالمعنى الأول؛ إذ لايخلو فى الوجود من وقوعه تحت الجنس؛ ويقال له نوع بالمعنى الثانى.
وبين المفهومين فرق، وكيف لا ! وهو بالمعنى الأول مضاف إلى الجنس، وبالمعنى الثانى غير مضاف إلى الجنس؛ فإنه لايحتاج، فى تصوره مقولا على كثيرين مختلفين بالعدد فى جواب ماهو، إلى أن يكون شئ آخر أيضا أعم منه مقولا عليه.
ومعنى النوع بالوجه الأول ليس كالجنس بمعنى النوع بالوجه الثاني، وذلك لأنه ليس مقوما له؛ إذ قد يجوز فى التوهم أن لايكون الشئ الذى هو نوع بهذه الصفة نوعا بالصفة الثانية؛ إذ لايمتنع في الذهن أن نتصور كليا هو رأس ليس تحت كلى آخر، وهو مع ذلك ليس مما ينقسم بالفصول، كالنقطة عند قوم. وما كان حمله هكذا وعلى هذه الصورة، وجاز رفعه فى التوهم، لم يكن - كما علمت - ذاتيا، وما لم يكن ذاتيا لم يكن جنسا، بل إن كان لابد فهو عارض لازم له. وقد يقال لهذا نوع الأنواع؛ وليس المفهوم من كونه نوع الأنواع هو المفهوم من كونه نوعا، بمعنى أنه مقول على كثيرين مختلفين بالعدد فى جواب ماهو، وكيف ومن حيث هو نوع الأنواع. فإن النوع المطلق له كالجنس وداخل فى تحديده، وهو به مضاف إلى أنواع فوقه. ثم لست أحقق أن أى الوجهين هو فى اصطلاح المنطقيين أقدم؛ فإنه لايبعد أن يكون أول نقل اسم النوع إنما هو إلى هذا المطلق على الأفراد، ثم لما عرض له أن كان عليه عام آخر، سمى كونه تحت العام بهذه الصفة نوعية.
لكن ربما لم تكن قسمته له أولى؛ فإن الناطق وغير الناطق يقسم الحيوان قسمة أولية ويقسم الجسم قسمة لكنه ليس يقسمه قسمة أولية؛ فإن الجسم مالم يكن حيوانا، لم يستعد للانفصال بالنطق. ومع ذلك فإن الغير الناطق الذى تحت الحيوان لايبعد أن يدل عليه بالعجمة، وإن لم تكن العجمة بالحقيقة فصلا مقوما؛ وإذا أقيمت العجمة مقامه، لم يتم بها قسمة الجسم كما تمت قسمة الحيوان؛ فإنك تقول: كل حيوان إما ناطق وإما أعجم، وتقف عنده؛ ولا تقول:كل جسم إما ناطق وإما أعجم، وتقف عنده؛ لأن النبات والجماد جسم وليس بناطق ولا أعجم. فإن قسمت الجسم إلى ناطق وغير ناطق قسمة يكمل معها الكلام، لم يكن غير الناطق دالا على المعنى الذى نقصد إليه فى قولنا: حيوان غير ناطق.
Bogga 64