217

Sheikh Abdul Hay Yusuf's Lessons

دروس الشيخ عبد الحي يوسف

Noocyada

الأمم المقسم عليها في سورة الفجر وقد أقسم ربنا ﷻ بالفجر، ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر:٢ - ٤] أي: إذا ذهب ومضى، كما قال سبحانه: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ [التكوير:١٧]. ﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾ [المدثر:٣٣ - ٣٤]. وهذه الخمسة أقسم بها ربنا ﷻ ثم قال: ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ [الفجر:٥]، الحجر: هو العقل، وسمي حجرًا؛ لأنه يحجر الإنسان ويمنعه عن تعاطي ما لا يليق من الأقوال والأفعال، ومنه سميت الحجرة حجرة؛ لأنها تحجر وتحجز ما بداخلها. ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ يعني: أيها المشركون! إذا كانت لكم عقول فتأملوا في هذه الخمسة التي ذكرها ربنا ﷻ، ثم إن المشركين كانوا معجبين بقوتهم، وكانوا يدلون على الله ﷿ بغناهم وأموالهم، فالله ﷿ ذكر لهم خبر ثلاثة من الأمم قبلهم كانوا أهل قوة وغناء، وأهل يسار وسعة فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ [الفجر:٦ - ٧] وعاد: هي القبيلة العربية التي أرسل الله إليها هودًا ﵇، وكانوا عتاة جبارين متمردين على أمر الله، مكذبين لرسله، جاحدين لكتبه، وكانوا أهل كبر وعتي، يقولون: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت:١٥]، ونبيهم ﵇ قال لهم: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ [الشعراء:١٢٨ - ١٣٠] أتبنون بكل مكان مرتفع بناية كبيرة لمجرد العبث لا للسكنى، يجمعون ما لا يأكلون، ويبنون ما لا يسكنون، ويأملون ما لا يدركون، هذه قبيلة العماد: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ [الفجر:٧] وإرم: هو جدهم الأكبر، ذات العماد: كانت لهم أعمدة وأبنية كما حكى ربنا عنهم في القرآن: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ [الشعراء:١٤٩] وهذا حالهم. ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ﴾ [الفجر:٨]، وتأملوا هذه الأوصاف فإنكم تجدونها تنطبق على الدولة المتكبرة على الناس اليوم. ثم الأمة الثانية: ﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾ [الفجر:٩] وقبيلة ثمود: قبيلة عربية، أرسل الله إليهم صالحًا ﵇، وجابوا: أي: قطعوا، ومنه قولهم: فلان يجوب البلاد، أي: يقطعها جيئة وذهابًا، ومنه سميت الجيب جيبًا، أي: وقطع الذين جابوا الصخر بالواد هؤلاء أيضًا، كما قال لهم نبيهم صالح ﵇: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا﴾ [الأعراف:٧٣ - ٧٤]، فقد كانوا يصنعون من الجبال بيوتًا قوية محكمة. ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ﴾ [الفجر:١٠] وفرعون: هو اللئيم الذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات:٢٤]، ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾ [غافر:٢٩]، ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص:٣٨]. وقد قيل: ذو الأوتاد: أي: الجيوش الكثيرة التي تشيد ملكه وتدفع عنه، وقيل: كان يدق أوتادًا في الأرض ويشد إليها من خالفوه حتى يموتوا، مثلما هدد موسى ﵇: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء:٢٩].

18 / 22