Shaykh Cabd Qadir Maghribi
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
Noocyada
هذه هي ملاحظات المغربي وأقواله في وصف مسارح التمثيل المصري قبل نصف قرن، وهي لعمر الحق ملاحظات جد لطيفة، وأقوال تدل على عمق الملاحظة.
أما لغته في مقاله هذا فهي كما ترون لغة بسيطة قريبة المنال أفلت فيها من كثير من قيود الكتاب في عصره ومن صناعاتهم اللفظية، اللهم إلا بعض السجعات والجمل المترادفة، والمفردات المتكررة التي تدل على أن الرجل كان حتى ذلك الحين متأثرا بالأساليب القديمة على الرغم من محاولته التملص منها. وسنرى أنه في مقالاته التالية سينطلق شيئا فشيئا من قيود الكتابة القديمة ويسيل قلمه بقوة عجيبة.
ولما أطل عام 1906م انخرط المغربي في المحيط المصري، وانضم إلى أسرة جريدة الظاهر التي كان يصدرها الأستاذ محمد أبو شادي - كما قلنا - فأخذ يحبر المقالات الاجتماعية والإصلاحية، ومن يستعرض هذه المقالات يجدها تبحث في «سيء العادات ووجوب الانتباه إليها والذهول عنها، والخلاص منها»، وفي «استهتار العامة بمصر وما يجب على العلماء نحوهم» وفي «الفضائل فرائض»، وفي «حياة الأمة في ثروتها»، وفي «الأمة كالفرد في أطواره وبلوغ استقلاله»، وما إلى هذا من المباحث الاجتماعية. كما نجد له مقالات تربوية ولغوية رائعة كمقالته التي عنوانها «إحياء اللغة العربية الصحيحة في نفوس العامة» ومقالته، التي كتبها إثر تولي الزعيم سعد زغلول نظارة المعارف العمومية، وعنوانها «ناظر المعارف الجديد سعد باشا زغلول وما ينتظره من القطر»، وقد عرض في هذه المقالة النفيسة إلى كثير من القضايا التربوية الإصلاحية الهامة فناقشه خير مناقشة، ومما يلاحظه المرء في المقالات الكثيرة التي كتبها في «الظاهر» هي بحوثه في نقد الكتب وتقريظها كبحثه عن «ابن حزم وكتابه في الأخلاق»، وبحثه عن كتاب أستاذنا العلامة المصلح بدر الدين النعساني الحلبي المسمى «بالتعليم والإرشاد»، وبحثه عن كتاب «أساس الشرائع الإنكليزية »، الذي ترجمه الأديب السيد نقولا حداد، وغيرها من الكتب المفيدة التي ظهرت في تلك الحقبة، وكان لظهورها أثر في المجتمع العربي.
ومما يلحظه المرء عن كتابات الشيخ المغربي في جريدة الظاهر في تلك الحقبة مقالته القيمة عن «الكلية المصرية» ومشروع إنشائها، ويقصد بالكلية نواة الجامعة التي كان الناس يتهامسون عن وجوب إنشائها، فقد كتب مقالين، بين في الأول منهما ضرورة تكوين هذه الكلية، وبين في المقال الثاني أن ثمة أناسا يعملون في الخفاء على تثبيط همة القائمين بهذا المشروع الجليل، ومما يلحق بهذه البحوث مقاله عن التعليم في «الأزهر وإصلاحه»، فقد أبان الحالة السيئة التي بلغها هذا الجامع العتيد، ودعا المصلحين إلى تقويم اعوجاج طريقة التعليم فيه بالأخذ بالأساليب الجديدة التي ستطبق في «الكلية المصرية».
وفي هذه السنة (1906) انتقل الشيخ إلى أسرة الجريدة المصرية الكبرى، التي كان يصدرها الشيخ علي يوسف باسم المؤيد، وفي هذه الجريدة أخذ المغربي يعالج بعض القضايا السياسية بعد أن رأيناه في «جريدة الظاهر» منصرفا إلى معالجة القضايا الأدبية أو الاجتماعية أو اللغوية، فنراه يكتب مقالا مطولا بعنوان «العالم الإسلامي في الشهور الأخيرة»، حلل فيه أوضاع المسلمين السياسية، وما يجب عليهم أن يعملوه ليلحقوا بركب السياسة العالمي، ويتخلصوا من ربق الاستعمار الجاثم على صدورهم.
كما ينصرف إلى معالجة شئون الأزهر معالجة جذرية - كما يقولون - فيكتب المقالات الطويلة التي يحلل فيها أوضاع الزهر من إدارية وتدريسية ويسهب في ذلك ويطيل ، ومن أروع هذه المقالات أربع، عناوينها «كلمة حق في الأزهر والأزهريين»، و«أزهري يخطب في الأزهريين»، و«كلمة إنصاف في الأزهر والأزهريين»، و«نموذج من إصلاح الأزهر»، وقد وفى الموضوع حقه وقتله درسا وتمحيصا، وكيف لا؟! وهو العالم المتحمس المخلص لدينه، الذي رأى فساد هذه المؤسسة التعليمية الكبرى وسوء طرائق تعليمها وتقهقر رجالاتها، وكتبها عن متابعة سير ركب العلم الحديث، فساءه ذلك، وأخذ يتفنن في بحث طرائق الإصلاح، ومما يعجبني له في هذه الفترة مقالاته التربوية المفيدة التي نشرها في المؤيد عن «تربية أطفال المسلمين الدينية» وكيف يجب أن تكون، وما هي الكتب التي يجب أن يقرءوها، وما إلى ذلك من المباحث التربوية المفيدة، وله في هذا المبحث سلسلتان من المقالات التعليمية، أولاهما بعنوان «درس في الدين لابن ثمان سنين»، والثانية عنوانها «معاتب لا مشاكس مع ناشئة المدارس» وقد أظهر في تينكم السلسلتين أنه مرب منصف يغار على الشبيبة الإسلامية، ويحرص على تقويم اعوجاجها، ويختار لها أحدث الطرق التهذيبية لتبلغ المستوى الرفيع الذي بلغته شبيبة الأمم المتمدنة من أوروبا وأميركا.
هذه صورة خاطفة عن مقالات شيخنا المغربي التي دبجتها يراعته سنة 1906م في جريدتي الظاهر فالمؤيد. حتى إذا ما جاء عام 1907م رأيناه ينصرف إلى تحبير المقالات السياسية والاجتماعية والأدبية في «المؤيد» إلى أن غدا من أركان الصحافة في مصر، ويطير صيته وتذيع شهرته في العالم الإسلامي والعربي، ويكاتبه الأحرار والمفكرون في العالمين، يطلبون إليه معالجة بعض القضايا العامة، فانبرى لها بقلمه، وكله إخلاص وصدق وعلم عميق وأسلوب رائع.
ومن أروع مقالاته السياسية مقالته «مصر والسياسة» التي حلل فيها الأوضاع السياسية في مصر، وبين أن الزعامة في العالم العربي والإسلامي يجب أن تكون لمصر لما منحها الله من الثروة، ولما لها من الإمكانيات المادية والمعنوية، وقد وسع هذا البحث في مقال آخر عنوانه «مصر والأقطار العربية» ذكر فيه أن مصر تتوسط الأقطار العربية في الشرق والغرب، وأنها لعبت في الماضي أدوارا هامة في حياة هذه الأقطار فعليها في هذه الحقبة التي أشرقت فيها شمس النهضة العربية أن تعود إلى سيرتها الأولى، ولا ينسى أن للأقليات المصرية من أقباط ومسيحيين مكانة هامة في تاريخ البلد قديما وحديثا، فيكتب في ذلك مقالا جد نفيس يمتدحهم فيه، ويبين الصلات الطيبة التي كانت تربطهم بإخوانهم المسلمين، وأنهم كانوا دوما يدا واحدة؛ ويتراءى له من خلال الحجب أن الأجنبي المستعمر ربما حاول استغلال الناحية الدينية وإثارة العصبيات الطائفية، فكتب في ذلك مقالا عميق التفكير بين فيه أن «التسامح من أعظم قواعد ديننا الحنيف»، وأن المسلمين كانوا دوما قدوة صالحة لشعوب الأرض في التسامح، وأن الفتح العربي كان أفضل الفتوح. وأن التاريخ العام لم يعرف فاتحا أرحم من العرب. ويحس الشيخ بالدسائس الأجنبية التي تحاك ضد مصر منذ ذلك الأمد ويرى الحبائل الاستعمارية المستترة بستار العلم تسعى إلى تشكيك المصريين في عروبتهم ووطنيتهم، وتعمل على زعزعة إيمان العامة منهم بجدارتهم بالاستقلال، وأن مصر بلد مستعمر منذ القديم، فيكتب في ذلك مقالين من أروع ما كتب في سجل القومية والوطنية عنوانهما «مصر مستقلة بشهادة التاريخ»، عرض فيه إلى استقلال مصر منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث، وبين فيه مواقف مصر الخالدة، وما كان لها من آثار على الإنسانية جمعاء.
هذه بعض مقالات شيخنا في الحقل السياسي الداخلي، أما مقالاته في حقل السياسة الخارجية التي تنتظم شئون العالم الإسلامي، فنجد بعضها في مقالاته عن «مراكش ما لها وما عليها»، التي بين فيها سوء الحالة الداخلية التي كانت عليها مراكش قبيل الاحتلال الفرنسي، والتي دعا عقلاءها إلى حل الخصومات الداخلية بالحسنى، فإن العدو يتربص بهم، وقد كان للمغربي باع طويل في محاربة الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا بصورة عامة، وبرهان ذلك ما كتبه جلالة السلطان سيدي محمد الخامس بن يوسف عنه في كلمته السامية التي وجهها إلى لجنة تأبين المغربي، وفيها جاء: «وما نسينا ولن ننسى موقف الشيخ عبد القادر من القضية المغربية في عهد الأزمات الأخيرة، إذ كان في الصف الأول من المناضلين عن حق المغرب العربي في الحرية والكرامة.»
ومن مقالاته في السياسة الخارجية مقاله المعنون «إسبارطة وأميركا» وقد بحث فيه بحثا سياسيا رائعا عن سياسة أميركا القاسية وبين أن هذه طريقة غير حميدة، وأن القوة هي التي سوغت قسوة أميركا.
Bog aan la aqoon