قوله: "وثالثا" هو الذي ذكر في المحصول وغيره أن الحكم مقطوع والظن في طريقه وتقريره أنه لما دل الإجماع على وجوب العمل بالظن وكثرت أخبار الآحاد في ذلك حتى صارت متواترة المعنى، وهذا معنى اعتبار الشارع غلبة الظن في الأحكام صار ذلك بمنزلة نص قطعي من الشارع على أن كل حكم يغلب على ظن المجتهد فهو ثابت في علم الله فيكون ثبوت الحكم المظنون قطعيا فيصح إطلاق العلم على إدراكه هذا على تقدير تصويب كل مجتهد، فإن قيل المظنون ما يحتمل النقيض والمعلوم ما لا يحتمله فيتنافيان قلنا يكون مظنونا فيصير معلوما بملاحظة هذا القياس، وهو أنه قد علم كونه مظنونا للمجتهد وكل ما علم كونه مظنونا للمجتهد على كونه ثابتا في نفس الأمر قطعا بناء على تصويب كل مجتهد. وأما على تقدير أن المصيب واحد فكأنه ثبت نص قطعي على أن كل حكم غلب على ظن المجتهد فهو واجب العمل أو ثابت بالنظر إلى الدليل، وإن لم يكن ثابتا في علم الله تعالى فيكون وجوب العمل به أو ثبوته بالنظر إلى الدليل قطعيا لكن يلزم على الأول أن يكون الفقه عبارة عن العلم بوجوب العمل بالأحكام وعلى الثاني أن يكون الثابت بالنظر إلى الدليل الظني، وإن لم يعلم ثبوته في الواقع قطعيا وأنت تعلم أن الثابت القطعي ما لا يحتمل عدم الثبوت في الواقع وغاية ما أمكن في هذا المقام ما ذكره بعض المحققين في شرح المنهاج، وهو أن الحكم المظنون للمجتهد يجب العمل به قطعا للدليل القاطع وكل حكم يجب العمل به قطعا وأصول الفقه الكتاب والسنة والإجماع والقياس وإن كان ذا فرعا للثلاثة إذ العلة فيه مستنبطة من مواردها
"وأصول الفقه الكتاب والسنة والإجماع والقياس وإن كان ذا فرعا للثلاثة" لما ذكر أن أصول الفقه ما يبتنى عليه الفقه أراد أن يبين أن ما يبتنى عليه الفقه أي شيء هو؟ فقال هو هذه الأربعة؛ فالثلاثة الأول أصول مطلقة؛ لأن كل واحد منها مثبت للحكم أما القياس فهو أصل من وجه؛ لأنه أصل بالنسبة إلى الحكم وفرع من وجه؛ لأنه فرع بالنسبة إلى الثلاثة الأول "إذ العلة" فيه مستنبطة من مواردها فيكون الحكم الثابت بالقياس ثابتا بتلك الأدلة وأيضا هو ليس بمثبت، بل هو مظهر. أما نظير القياس المستنبط من الكتاب فكقياس حرمة اللوطة على حرمة الوطء في حالة الحيض الثابتة بقوله تعالى: {قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة:222] والعلة هي الأذى وأما المستنبط من السنة فكقياس حرمة قفيز من الجص بقفيزين على حرمة قفيز من الحنطة بقفيزين الثابتة بقوله عليه السلام: "الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا" وأما المستنبط من الإجماع فأوردوا لنظيره قياس الوطء الحرام على الحلال في حرمة المصاهرة يعني قياس حرمة وطء أم المزنية على
...................................................................... ..........................
علم قطعا أنه حكم لله تعالى وإلا لم يجب العمل به وكل ما علم قطعا أنه حكم الله تعالى فهو معلوم قطعا فكل ما يجب العمل به معلوم قطعا فالحكم المظنون للمجتهد معلوم قطعا فالفقه علم قطعي والظن وسيلة إليه وحله أنا لا نسلم أن كل حكم يجب العمل به قطعا علم قطعا أنه حكم الله تعالى لم لا يجوز أن يجب العمل قطعا بمن يظن أنه حكم الله فقوله وإلا لم يجب العمل به عين النزاع، وإن بنى ذلك على أن كل ما هو مظنون المجتهد فهو حكم الله تعالى قطعا كما هو رأي البعض يكون ذكر وجوب العمل ضائعا لا معنى له أصلا.
قوله: "وأصول الفقه" ما سبق كان بيان مفهوم أصول الفقه، وهذا بيان ما صدق عليه هذا المفهوم من الأنواع المنحصرة بحكم الاستقراء في الأربعة ووجه ضبطه أن الدليل الشرعي إما وحي أو غيره والوحي إن كان متلوا فالكتاب وإلا فالسنة وغير الوحي إن كان قول كل الأمة في عصر فالإجماع وإلا فالقياس أو أن الدليل إما أن يصل من الرسول عليه السلام أو لا والأول إن تعلق بنظمه الإعجاز فالكتاب وإلا فالسنة والثاني إن اشترط عصمة من صدر عنه فالإجماع وإلا فالقياس. وأما شرائع من قبلنا والتعامل وقول الصحابي ونحو ذلك فراجعة إلى الأربعة وكذا المعقول نوع استدلال بأحدها وإلا فلا دخل للرأي في إثبات الأحكام وما جعله بعضهم نوعا خامسا من الأدلة وسماه الاستدلال فحاصله يرجع إلى التمسك بمعقول النص أو الإجماع صرح بذلك في الأحكام، ثم الثلاثة الأول أصول مطلقة لكونها أدلة مستقلة مثبتة للأحكام والقياس أصل من وجه لاستناد الحكم إليه ظاهرا دون وجه لكونه فرعا للثلاثة لابتنائه على علة مستنبطة من موارد الكتاب والسنة والإجماع فالحكم بالتحقيق مستند إليها وأثر القياس في إظهار الحكم وتغيير وصفه من الخصوص إلى العموم ومن هنا يقال أصول الفقه ثلاثة: الكتاب والسنة والإجماع،
Bogga 33