Sharh Nahj Balagha
شرح نهج البلاغة
Tifaftire
محمد عبد الكريم النمري
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Daabacaad
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1418 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
وكذلك تقديم قسم الكذب على قسم الصدق ، كأنه رشاهم ذلك ، وجعله برطيلا لهم ، ليطمئنوا إلى نصحه .
ومن ذلك قول إبراهيم على ما حكاه تعالى عنه في قوله : ' إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ، يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ' ، فطلب منه في مبدأ الأمر السبب في عبادته الصنم والعلة لذلك ، ونبهه على أن عبادة ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنه شيئا قبيحة ، ثم لم يقل له : إني قد تبخرت في العلوم ، بل قال له : قد حصل عندي نوع من العلم لم يحصل عندك . وهذا باب الأدب في الخطاب ، ثم نبهه على أن الشيطان عاص لله ، فلا يجوز اتباعه ، ثم خوفه من عذاب الله إن اتبع الشيطان ، وخاطبه في جميع ذلك بقوله : ' يا أبت ' ؛ استعطافا واستدراجا ، كقول علي عليه السلام : يقول لك ابن خالك ، فلم يجبه أبوه إلى ما أراد ، ولا قال له : يا بني ، بل قال : ' أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ' ، فخاطبه بالاسم ، وأتاه بهمزة الاستفهام المتضمنة للإنكار ، ثم توعده فقال : ' لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ' .
قالوا : ومن هذا الباب ما روي أن الحسين بن علي عليه السلام كلم معاوية في أمر ابنه يزيد ، ونهاه عن أن يعهد إليه ، فأبى عليه معاوية حتى أغضب كل واحد منهما صاحبه ، فقال الحسين عليه السلام في غضون كلامه : أبي خير من أبيه وأمي خير من أمه ، فقال معاوية : يابن أخي ، أما أمك فخير من أمه ، وكيف تقاس امرأة من كلب بابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وأما أبوه فحاكم أباك إلى الله تعالى ، فحكم لأبيه على أبيك .
قالوا : وهذا باب الاستدراج اللطيف ، لأن معاوية علم أنه إن أجابه بجواب يتضمن الدعوى لكونه خيرا من علي عليه السلام لم يلتفت أحد إليه ، ولم يكن له كلام يتعلق به ، لأن آثار علي عليه السلام في الإسلام ، وشرفه وفضيلته تجل أن يقاس بها أحد ، فعدل عن ذكر ذلك إلى التعلق بما تعلق به ، فكان الفلج له .
ذكر هذا الخبر نصر الله بن الأثير في كتابه المسمى بالمثل السائر ، في باب الاستدراج .
وعندي أن هذا خارج عن باب الاستدراج ، وأنه من باب الجوابات الإقناعية التي تسميها الحكماء الجدليات والخطابيات ، وهي أجوبة إذا بحث عنها لم يكن وراءها تحقيق ، وكانت ببادئ النظر مسكتة للخصم ، صالحة لمصادمته في مقام المجادلة .
Bogga 102