بعد إظهار الدعوة؛ لأنها تتكلم عن الرجل الذي ينهى (أبو جهل) عبدًا إذا صلى (محمد ﷺ، وهذا كان بعد فترة طويلة، فجعلت هذه الآيات مع أول الآيات التي نزلت، فالرسول ﷺ كان يضم الآيات إلى الآيات في السورة.
الخلاف في أول ما نزل:
الصحيح أن أول ما نزل هو صدر سورة العلق.
وقيل: أول ما نزل: المدثر، وهو مذهب الصحابي جابر بن عبد الله.
وقيل: فاتحة الكتاب، وهذا قول ضعيف جدًا؛ لكنه يذكر في كتب علوم القرآن.
لكن الذي وقع فيه الخلاف صدر سورة العلق وصدر سورة المدثر، ولولا أثر جابر ﵁ لما حُكِيَ الخلاف، وهذا الأثر فيه إشكال كبير، فإن جابرًا سئل عن أول ما نزل؟ فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ [المدثر: ١] فالسؤال عن الأولية مطلقًا، وبعض العلماء يخرِّجه على أولية مخصوصة، ويقول: إن جابرًا ﵁ أراد أنها أول ما نزل بالإنذار أو بالنبوة.
والذي يظهر من خلال الأثر الذي ورد عن جابر، أن جابرًا لم يعلم عن نزول الآيات في غار حراء، ويظهر أن الرسول ﷺ لم يحدِّثه بنزول الآيات بل حدثه بمجيء جبريل ﵇ إليه في غار حراء فقط، ثم حدَّثه بما حصل بعد هذا المجيء، فجابر ﵁ حدَّث بما عَلِمَ، وظنَّ أن ما قاله الرسول ﷺ هو أول ما بدئ به في الوحي، ولو أخذناه على هذا المحمل فليس - في نظري - هناك مشكلة، وجابر ﵁ لو كان يعلم أن المَلَكَ لما نزل في غار حراء قرأ على الرسول ﷺ: ﴿اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ لم يقل: (أول ما نزل سورة المدثر).
ثم إن هذا مذهب فرد من الصحابة، والصحابي قد يقع منه الغلط، وليس له عصمة.