فأما من كان النمش غالبا عليه فإن الضعف منه إنما هو في طحاله لأن الأبدان التي قد أفرط عليها البياض إنما تصير بهذه الحال لنقصان اللون الأحمر فيها وهو لون الدم والأبدان التي يغلب عليها النمش إنما تصير بتلك الحال بسبب مخالطة الخلط السوداوي للدم. وقد بينت في كتابي في القوى الطبيعية أن الدم إنما يتولد في الكبد من الغذاء الذي يتأدى إليه من المعدة وأن الفضول من المرتين أعني السوداء والصفراء تتميز منه وتنتقض. فإذا ضعفت الكبد في فعلها كان امتناع تولد الدم على ضربين كما يكون امتناع استمراء الطعام في المعدة على ضربين أحدهما بأن يتفقد فقط الشيء الذي كان من شأنها أن تحدثه أولا لما كانت صحيحة والضرب الآخر أن يكون مع ذلك في ذلك الوقت فساد. وهذا الضرب يجعل الدم أصفر وبسبب ذلك يصفر لون البدن كله وأما الضرب الآخر فإنه يجعل اللون مفرط البياض بسبب نقصان الدم وفي أكثر الأمر. فإن اللونين جميعا يعرضان معا لأنه لا يتولد دم محمود والدم الذي كان في البدن يفسد.
فأما الطحال فإذا لم يقدر على تنقية الخلط السوداوي بسبب ضعف يكون فيه فإن ذلك الخلط ينفذ مع الدم إلى البدن فتعرض منه في أوقات مختلفة علل مختلفة وربما تولد منه الجذام وربما تولد منه الوسواس السوداوي أو التقشر أو الجرب أو السرطان أو غير ذلك مما أشبهه. «والنمش» أيضا هو من هذا الجنس وتولده من فضل سوداوي يندفع إلى الجلد وكذلك البهق الأسود.
وذكر أن بعض من له النمش يعرض له «تشقق في الشفتين». وبين أن ذلك يعرض لمن كان مزاجه بالطبع أزيد يبسا لأن من كانت هذه حاله فهو مستعد متهيئ لقبول العلل المتولدة من اليبس وإحدى تلك العلل «تشقق الشفتين». وقد نرى ذلك أيضا يعرض في الحميات الحادة اليابسة إذا أفنت من البدن كل ما فيه من الرطوبة المحمودة وقد يتشقق عند ذلك ليس الشفتان فقط لكن اللسان أيضا على أن اللسان أرطب من الشفتين.
Bogga 202