وهو كما قلنا يستفيد من ابن جني، ولكنه لا يسهب إسهابه فمثلا في شرح اسم "عبد الشارق بن عبد العزى" وقف المصنف عند اسم عبد الشارق فقط قال: "الشارق اسم صنم، والشارق الشمس كأنه عبد شمس"، أما ابن جني فقد وقف عند عبد الشارق ووقف عند عبد العزى، وأسهب إسهابا واضحًا في إيراد الأشباه والنظائر، وتوغل في الأوزان وأطال، قال: "الشارق اسم صنم لهم ولذلك قالوا عبد الشارق وكقولهم عبد العزى وكلاهما صنم، ومثله عبد يغوث وعبد ود ونحو ذلك، ويجوز أن يكون الشارق من قولهم عبد الشارق وهو قرن الشمس كقولهم: لا أكلمك ما ذر شارق أي ما طلع قرن الشمس، فقولهم إذا عبد الشارق كقولهم عبد شمس، وأما العزى فهو اسم صنم وهو تأنيث الأعز كما أن الجلي تأنيث الأجل، وأما قول الآخر:
وإن دعوت إلى جلي ومكرمة ... يومًا سراة كرام الناس فادعينا
فليس جلي في هذا تأنيث الأجل، ألا ترى أن فعلى أفعل لا تنكر، وإنما هي معرفة باللام أو بالإضافة، لا تقول صغرى ولا كبرى ولا وسطى، وإنما جلي في البيت بمنزلة الجلال والجلالة، ومثلها من المصادر على فعلى الرجعى والنعمى والبؤسى، تقول: آنستني برجعي منك أي برجوع منك، ولك عندي آلاء ونعمى، ولا أجزيك بؤسى ببؤسي، وكذلك قراءة من قرأ "قولوا للناس حسنى" أي إحسانًا وحسنًا، وأنكر ذلك أبو حاتم ولا وجه لإنكاره إياه لما ذكرنا، وأنثوا العزى في اسم الصنم كما أنثوه في قوله تعالى: (واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى).
فلا شك أن مثل هذا العمل طيب ومفيد في مجال اللغة، ولكنه بعيد عن النص الأدبي المختار، صارف ذهن القاريء ومستثير له فيما لم يعد نفسه وعقله لاستيعابه، ولذا أحسن ابن جني حين أقام مثل هذه الدروس اللغوية في كتاب قائم بذاته عن كتابه التنبيه الذي تصدى فيه لشرح مشكلات الحماسة، ولهذا كان
2 / 43