أن أئمتهم العارفين بالأصول ينزهون الله عن التنقلات، فأبطل جميع ما أخرج في هذا الباب إذ كان مذهبه غير ظاهر الحديث، واعتماده على التأويل الباطل والمعقول الفاسد.
وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، نفي التشبيه من جميع الجهات وكل المعاني، ولكن البائس المسكين لم يجد الطريق إلى ثلب الأئمة إلا بهذا الطريق الذي هو به أولى، ثم قصد تعلىل حديث النزول بما لا يعد علة ولا خلافًا من قول الراوي [ينزل] و[يقول إذا مضى نصف الليل] وقال بعضهم: [ثلث الليل، ونصف الليل] قال ابن منده: وليس هذا اختلافًا ولكنه جهل، واحتج معها بحديث محمد بن يزيد بن سنان، عن أبيه، عن زيد بن أبي أنيسة، عن طارق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ أنه قال: " إنه يأمر مناديًا ينادي كل ليلة ".
وهذا حديث موضوع موافق لمذهبه. زعم أن يحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي والبخاري ومسلمًا، أخرجوا في كتبهم مثل هؤلاء الضعفاء المتروكين ترددًا منه وجهلًا، وأعاد حديث أبي هشام الرفاعي عن حفص. رواه محاضر وغير واحد، قال: [إن الله ينزل كل ليلة] .
وكذلك حديث طارق رواه عن عبيد الله بن عمر، عن زيد بن أبي أنَيْسَة، عن طارق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله:" إن الله ينزل كل ليلة ".
وأما حديث الحسن، عن عثمان بن أبي العاص، فقد تقدم الكلام عليه فيما ذكرنا، وليس في هذه الأحاديث ولا رواتها ما يصح، قال: ولو سكت عن معرفة الحديث كان أجمل به وأحسن؛ إذ قد سلب الله معرفته وأرسخ في قلبه تبطيل الأخبار الصحاح، واعتماد معقوله الفاسد.
قلت: فهذا نقل عبد الرحمن لكلام أبيه، وأبوه أعلم منه وأفقه وأسد قولًا. ثم قال أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده هذا، قال: حدثنا محمد بن محمد بن الحسن، ثنا عبد الله
1 / 46