الله ما يشاء. قال اللالكائي: حدثنا المسير بن عثمان، حدثنا أحمد بن الحسين، ثنا أحمد بن على الأبَّار، قال: سمعت يحيى بن مَعِين يقول: إذا سمعت الجهمي يقول: أنا أكفر برب ينزل، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يريد، فإن بعض من يعظمهم وينفي قيام الأفعال الاختيارية به - كالقاضي أبي بكر، ومن اتبعه، وابن عَقِيل، والقاضي عياض، وغيرهم - يحمل كلامهم على أن مرادهم بقولهم: [يفعل ما يشاء] أن يحدث شيئًا منفصلًا عنه من دون أن يقوم به هو فعل أصلًا. وهذا أوجبه أصلان لهم:
أحدهما: أن الفعل عندهم هو المفعول، والخلق هو المخلوق، فهم يفسرون أفعاله المتعدية، مثل قوله تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [الأعراف: ٥٤] وأمثاله: أن ذلك وجد بقدرته من غير أن يكون منه فعل قام بذاته، بل حاله قبل أن يخلق وبعد ما خلق سواء، لم يتجدد عندهم إلا إضافة ونسبة وهي أمر عدمي، لا وجودي، كما يقولون مثل ذلك في كونه يسمع أصوات العباد، ويرى أعمالهم وفي كونه كلم موسى وغيره، وكونه أنزل القرآن، أو نسخ منه ما نسخ، وغير ذلك؛ فإنه لم يتجدد عندهم إلا مجرد نسبة وإضافة بين الخالق والمخلوق، وهي أمر عدمي، لا وجودي.
وهكذا يقولون في استوائه على العرش إذا قالوا: إنه فوق العرش، وهذا قول ابن عقيل وغيره، وهو أول قولي القاضي أبي يعلى. ويسمى ابن عقيل هذه النسبة: الأحوال، ولعله يشبهها بالأحوال التي يثبتها من يثبتها من النظار، ويقولون: هي لا موجودة ولا معدومة، كما يقول ذلك أبو هاشم، والقاضيان: أبو بكر، وأبو يعلى، وأبو المعالي الجويني في أول قوليه.
وأكثر الناس خالفوهم في هذا الأصل، وأثبتوا له - تعالى - فعلًا قائمًا بذاته، وخلقًا غير المخلوق - ويسمى التكوين - وهو الذي يقول به قدماء الكُلابية، كما ذكره الثقفي والضُّبَعِي وغيرهما من أصحاب أبي بكر محمد بن خُزَيّمة في العقيدة؛ التي كتبوها وقرؤوها على أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة؛ لما وقع بينهم النزاع في [مسألة القرآن] . وهو آخر قولي القاضي أبي
1 / 42