Sharaxa Diwaanka Mutanabbi
شرح ديوان المتنبي
Noocyada
فكان لهذا الرثاء أبلغ الأثر في نفس سيف الدولة، فأرسل إلى الشاعر هدية ومالا وأمانا بخطه وكتابا يستدعيه، فكتب أبو الطيب في ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين قصيدته التي مطلعها:
فهمت الكتاب أبر الكتب
فسمعا لأمر أمير العرب
وبعد أن عاد الشاعر إلى الكوفة ولبث فيها عاود الذهاب إلى بغداد، في طريقه إلى فارس قاصدا ابن العميد، وقد بارح بغداد للمرة الثانية في صفر سنة أربع وخمسين، وذلك بعد مبارحته لها في المرة الأولى بسنة وخمسة أشهر، وقد أخذ طريق الأهواز وبها لقيه التنوخي، وبلغ أرجان في الشهر نفسه. فلما أشرف عليها وجدها ضيقة البقعة والدور والمساكن؛ فضرب بيده على صدره، وقال: تركت ملوك الأرض يتعبدون بي، وقصدت رب هذه المدرة فما يكون منه؟ ثم وقف بظاهر المدينة، وأرسل غلاما على راحلته إلى ابن العميد، ودخل عليه، وقال: مولاي أبو الطيب خارج البلد، فثار من مضجعه ثم أمر حاجبه باستقباله. فركب واستركب من لقيه في الطريق، فتلقوا الشاعر وقضوا حقه وأدخلوه البلد، فدخل على أبي الفضل بن العميد فقام له، وطرح له كرسي عليه وسادة ديباج، وقال أبو الفضل: كنت مشتاقا إليك يا أبا الطيب.
وقد أفرد أبو الفضل له دارا نزلها، وكان يغشى أبا الفضل كل يوم ويؤاكله، وابن العميد هذا - كما لا يخفى - هو الأديب الكبير أبو الفضل ابن العميد، وزير عضد الدولة، وقد كان أبو الفضل ناقما على الشاعر من قبل لأنه لم يمدحه، وكان يريد أن يخمل ذكره، حتى إنه ليروى أن بعض أصحابه دخل عليه يوما قبل دخول المتنبي فوجده واجما - وكانت أخته قد ماتت - فظنه واجدا لأجلها، فسأله الخبر، فقال: إنه ليغيظني أمر هذا المتنبي واجتهادي في أن أخمل ذكره، وقد ورد علي نيف وستون كتابا في التعزية ما منها إلا وقد صدر بقوله:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
ويروى أن ابن العميد لم يرسل إلى المتنبي ليدعوه، ولكن الذي لا ريب فيه أنه فرح بمقدمه وطرب لمدحه، فذلك كان أملا من آماله، وأمنية من أمنياته المعسولات.
Bog aan la aqoon