بيان الفرق بين التعبير عن الذات والتعبير عن الصفة
فالله ﷾ يذكر نفسه تارة بصيغة المفرد، مظهرًا أو مضمرًا، وتارة بصيغة الجمع كقوله: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح:١]، وأمثال ذلك.
ولا يذكر نفسه بصيغة التثنية قط؛ لأن صيغة الجمع تقتضي التعظيم الذي يستحقه، وربما تدل على معاني أسمائه].
هناك فرق بين التعبير عن الذات وبين التعبير عن الصفة؛ لأن الصفات لله ﷿ تتعدد، بينما الذات لا تتعدد، فإذا جاء التعبير عن ذات الله ﷿، أو عن نفس الله، أو عما يتعلق بذلك، فإنه يأتي على أحد وجهين: إما بالإفراد، أو بالجمع على سبيل التعظيم لله ﷿، أما التثنية فلا ترد فيما يتعلق بذات الله ﷿ ولواحقها، أو ما يعبر عنها به، مثل: النفس ونحو ذلك.
قال ﵀: [وأما صيغة التثنية فتدل على العدد المحصور، وهو مقدس عن ذلك.
فلو قال: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:٧٥] لما كان كقوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [يس:٧١]، وهو نظير قوله: ﴿بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ [الملك:١] و﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾ [آل عمران:٢٦] ولو قال: (خلقت بيدي) بصيغة الإفراد لكان مفارقًا له، فكيف إذا قال: (خلقت بيدي) بصيغة التثنية.
هذا، مع دلالات الأحاديث المستفيضة بل المتواترة، وإجماع السلف على مثل ما دل عليه القرآن كما هو مبسوط في موضعه، مثل قوله: (المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)، وأمثال ذلك].
مثل هذه النصوص لا ينبغي أن تقاس على مفاهيم الخلق، ولا على مدارك الخلق مهما كانت، حتى المقاييس الضرورية عند الخلق لا يجوز أن تحكم بها صفات الله والأخبار عن الله سبحانه؛ لأن الله ليس كمثله شيء، فلذلك لا ينبغي أن تدخل العقول في مثل هذه المجالات؛ لأنه قد يأتي متحذلق ويقول: وصف اليدين كليهما بأنها يمين، فهذا يستحيل، نقول: يستحيل لأنك قست، وإلا فالله ﷿ لا يقاس بخلقه، فهذا نص صريح يجب التسليم به، وأنه على الحقيقة كما يليق بجلال الله ﷿، ولذا فلا يجوز أن نأخذ معاني صفات الله ﷿ وأسمائه وأفعاله والإخبار عنه على مقاييس الخلق إطلاقًا؛ لأن هذا يتنافى ويتعارض مع كونه ﷿: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١].
وأما المقصود بقوله: (وكلتا يديه يمين) وإن كان الأولى عدم الكلام في هذا: فأنا أظن أن الحديث عن أكثر مما ورد في النص يعتبر نوعًا من التجاوز والعدوان والكلام على الله ﷿ بغير دليل، وإن كان بعض الراسخين في العلم -الذين هم أعلم منا، وأفقه في أسماء الله وصفاته- حاولوا أن يتكلموا في مثل هذه الأمور على وجه إزالة الإشكال من أذهان الناس، لكن هذا لا يجرئنا، بل ينبغي ألا نتعدى الإيمان بالنص، وأنه حق على ما يليق بجلال الله ﷿، وخاصة في الأمور التي يظهر أن فهمها يعضل، وخاصة عندما لا يكون لدينا أي دليل نصل به إلى معنى الدلالة، وعند ذلك لا نفصل فيها، وإنما نؤمن بأنها حق، وأن المقصود بذلك الكمال لله ﷿، ثم أليس اليمين كمالًا؟ إذًا: الله ﷿ موصوف بالكمال، ومع ذلك جاء في بعض النصوص إطلاق الشمال بمعنى الأخرى لا بمعنى الشمال الناقصة، وعليه فهذه أمور تورد كما جاءت من دون أن نتكلم فيها بشيء؛ لأن الكلام فيها حكم وقول على الله بغير علم، ثم كيف وهو بذاته يأتي بما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فيجب على المسلم أن يتهيب، وألا يجرئ نفسه عن الحديث في مثل هذه الأمور.
10 / 8