الكلام على حديث: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن) وأمثاله
[وأما قوله: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن)، فإنه ليس في ظاهره أن القلب متصل بالأصابع، ولا مماس لها، ولا أنها في جوفه، ولا في قول القائل: هذا بين يدي ما يقتضي مباشرته ليديه، وإذا قيل: (السحاب المسخر بين السماء والأرض) لم يقتض أن يكون مماسًا للسماء والأرض، ونظائر هذا كثيرة.
ومما يشبه هذا القول أن يجعل اللفظ نظيرًا لما ليس مثله، كما قيل في قوله: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) فقيل: هو مثل قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس:٧١]].
في الآية الأولى ثبتت صفة اليد لله ﷿؛ لأن الله أضافها إلى نفسه، بينما في الآية الأخرى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [يس:٧١]، فأضاف العمل للأيدي، ففرق بين إلحاق الوصف بالذات وبين إلحاق الوصف بالصفة أو العمل بالصفة، ومع ذلك تبقى الآية مجملة، لكن دلالتها ليست كدلالة: (يدي) و(بيدي) و(بيده) كما ورد في ألفاظ النصوص الأخرى التي تثبت إلحاق الصفة بذات الله ﷿ كما يليق بجلاله، ثم أيضًا الخصوصية والعموم بينها فرق، وليس لها خصوصية، وإنما خلقت كبقية الخلق، بخلاف آدم، فقد خلق بعناية من الله، خاصة وأنه خلقه بيده.
إذًا: معنى: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [يس:٧١]، غير معنى: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:٧٥]، فدلالة ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:٧٥] على الصفة أقوى وأصرح من دلالة: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [يس:٧١]؛ لأنه هناك أضاف الصفة لذاته، وهنا أضاف الفعل للصفة، وأيضًا العموم غير الخصوصية، فالأنعام داخلة في عموم الخلق، وهي خلقت كما خلقت المخلوقات العامة، بخلاف آدم فإن الله خلقه بيده.
وبعض السلف جعل جمع اليد دليل على أنه تعظيم لله ﷿، لكن ليست دلالتها صريحة كدلالة: خلقت بيدي، ومع ذلك تبقى الآية مجملة، وسياقها يدل على أن المقصود أعم من مجرد الصفة.
قال ﵀: [فهذا ليس مثل هذا؛ لأنه هنا أضاف الفعل إلى الأيدي فصار شبيهًا بقوله: ﴿بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي﴾ [الروم:٤١]، وهنا أضاف الفعل إليه فقال: ﴿لِمَا خَلَقْتُ﴾ [ص:٧٥]، ثم قال: ﴿بِيَدَيَّ﴾ [ص:٧٥].
وأيضًا فإنه هنا ذكر نفسه المقدسة بصيغة المفرد، وفي (اليدين) ذكر لفظ التثنية كما في قوله: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة:٦٤]، وهناك أضاف الأيدي إلى صيغة الجمع، فصار كقوله: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر:١٤]].
ليس المقصود به إثبات جمع العين، وإنما يدل على أن المقصود لازم الصفة وليس الصفة.
قال ﵀: [وهذا في الجمع نظير قوله: ﴿بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ [الملك:١] و﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾ [آل عمران:٢٦] للمفرد.
10 / 7