وإذَا تأملْتَ هَذِه الأمُورَ، عَلِمتَ أن -الله سُبحَانَهُ- قَدْ لَطَفَ بعباده؛ فَعَلَّلَ طِبَاعَهُم البَشَرِيةَ بِوَضْع هَذِهِ الأسْبَابِ؛ لِيأنَسوا (١) بِهَا، فَيُخَففُ (٢) عَنْهم ثِقَلَ الامْتِحانِ التي تَعَبدَهُم بهِ، وَليَتَصَرفُوا بِذَلِكَ بَيْنَ الرجَاءِ، والخَوْفِ، وَليَسْتَخْرِجَ مِنْهُم وَظَيْفَتَيْ الشكْرِ، والصبرِ فِي طَورَيْ السَّرَّاءِ، والضراءِ، والشدةِ، والرخاءِ، وِمْن ورَاءِ ذلِكَ عِلْمُ اللهِ [تَعَالَى] (٣) فِيْهِمْ، ولله عَاقِبَةُ الأمُوْرِ، وَهُوَ العَلِيْمُ الحكيم، لا مُعَقبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا راد لِقضَائِهِ (لا يُسألُ عَما يَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْألون) [الأنبياء/٢٣].
فَإن قِيلَ فَمَا تأوِيلُ قَوْلهِ [سُبْحَانَه] (٤): (ادعُوني أسْتَجِبْ لَكم) [غافر/٦٠]، وَهُوَ وَعْدٌ مِنَ الله [جل وعز] (٤) يَلْزَمَُ الوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يجوْزُ وُقُوْعُ الخُلْفِ فِيْهِ؟ قِيلَ هَذَا مُضْمَرٌ فِيْهِ المَشِيْئَةُ [كَقَوْله: (بل إياهُ تدعُونَ فَيَكشِفُ مَا تَدْعُونَ إليه إنْ شَاءَ)] (٤) [الأنعام/ ٤١]، وَقَدْ يَرِدُ الكَلَامُ بِلَفْظٍ عَام، مُرَادُهُ خَاصٌّ، وَإنما يُسْتَجابُ مِن الدعَاءِ مَا وَافَقَ القَضَاءَ، وَمَعْلُومٌ أنهُ لَا تَظْهرُ لِكُل داع اسْتِجَابَة دعائِهِ؛ فَعَلمتَ أنهُ إنما جَاءَ في نوْعٍ خَاصٍّ مِنْهُ بِصِفةٍ مَعْلوْمَةٍ. وقد قِيْلَ: مَعْنَى الاسْتِجَابَةِ: أن الداعِي يُعَوَّضُ مَن (٥) دُعَائِهِ عِوَضًَا مَا، فَرُبما كَانَ ذلِكَ [(٦) إسعافًا بطلبتِهِ الَتى
_________
(١) في (م): "ليتأنسوا".
(٢) في (م): "فخفف".
(٣) زيادة من (م).
(٤) ما بين المعقوفين زيادة من (م).
(٥) في (ظ): "عن".
(٦) بداية سقط كبير من (م) ينتهي في ص ٥٦ وقبل المعقوف كلمة: "بمعنى".
1 / 12