أهل زمانه، وإن تشبيهه بأبي عبيد القاسم بن سلام (١) كاف لندرك ما كان عليه الخطابي من العلم والزهد والورع والتدين ...
سيرته: تروي لنا المصادر أن الخطابي ﵀ من أهل الزهد والورع والتدين ...
كما أنها تروي لنا أنه كان يتجر في مِلكه الحلال، وينفق على الصلحاء من إخوانه.
فهذه إشارة تدل دلالة واضحة على أن الخطابي ﵀ ما كان يمد يده إلى السلطان ليجري عليه جرايته، بل كان ينفق من ماله على إِخوانه؟!.
ونحن إذا نظرنا إلى العلماء في عصره، وكيف كانوا يعيشون، رأينا أن معظمهم يعتمد في معاشه إمَّا على أعطيات السلطان، أو يعيش في كنفه أو في بلاطه، أو يؤدب له أولاده؛ فينال من ذلك المال الوفير والجاه العريض.
والقليل النادر منهم من يعيش مستقلًا في رزقه معتمدًا على تجارته، معتزلًا السلطان، يحيا حياته العلمية خالصة، ويجعل السلطان بحاجة إليه أكثر مما يكون هو بحاجة إلى السلطان.
والخطابي واحد من هؤلاء النفر القليل الذين عاشوا حياتهم الخالصة للعلم، يؤلفون الكتب، ويتصدرون للتدريس فيأخذ عنهم طلبة العلم دون أن يكون لهم مطمع في دنياهم الزائلة، محتسبين ذلك عند الله تعالى.
ونستدل على ما ذهبنا إليه بمؤلفاته، وبما يرويه في بدايتها مبيّنًا سبب تأليفها، ثم إننا لا نرى كتابًا له -من المطبوع- ألفه بطلب من أمير أو استجابة لرغبة وزير أو سلطان، مثلما نجده مسطرًا في كثير من الكتب. بل نرى
_________
(١) يقول ابن حجر في تهذيب التهذيب عن أبي عبيد القاسم بن سلام ٨/ ٣١٨: قال عنه ابن حبان في الثقات: "كان أحد أئمة الدنيا، صاحب حديث وفقه، ودين، وورع، ومعرفة بالأدب، وأيام الناس، جمع وصنف، واختار، وذبَّ عن الحديث ونصره، وقمع من خالفه".
المقدمة / 36