شوقي جلال
القاهرة 2013م
مقدمة
«اليقين وسادة الكسالى.»
مونتيني: مفكر فرنسي 1650م «اليقين وسادة الكسالى» مقولة المفكر الفرنسي مونتيني في القرن ال 16 التي بشر بها وأطلقها دعوة لإفاقة أوروبا من سباتها الذي عاشته قرونا أسيرة يقين برعاية الكنيسة ورجال الدين .. يقين أقال العقل، وأعاق الحركة نحو التغيير؛ إذ اليقين استسلام. ومن ثم فقد كانت مقولته أشبه بنوبة صحيان عند الجيش؛ أو لنقل دعوة للاستيقاظ والعمل الجاد والتفكير النقدي في واقع الحال لعقد العزم على الخطو قدما إلى مستقبل جديد يبنيه أبناء أوروبا بفكرهم وإرادتهم وتفاعلهم بعد قطيعة معرفية مع فترة الجمود واليقين.. أي دعوة إلى تفعيل إرادة التغيير .. لكي يستعيد الأوروبي إنسانيته كائنا فاعلا مبدعا يعيش لحاضره ومستقبله لا لماض ولى.
ذلك أن الإنسان العاقل المبدع والمجدد هو من يشك ويتساءل ويعمل. ولهذا ليس غريبا أن نقرأ للفيلسوف والعالم «دانييل دانيت» قوله: «النوع الإنساني هو من اكتشف الشك؛ يتساءل عن المستقبل .. يراجع تقديراته وحساباته .. ويدفعنا الشك إلى البحث عن علاج .. عن التماس وسيلة للحقيقة .. لهذا اخترعنا الثقافة.»
والإنسان الحكيم هو من لا يعتبر موروثه التاريخي معطى مسلما به لا يأتيه الباطل أبدا؛ وذخيرته إلى الأبد أيا كان الزمان والمكان؛ بل يراه خطابا لأهل زمانه، قابلا للنقد والتصويب والإضافة الإبداعية؛ ليكون عونا ودعما للحركة على طريق المستقبل، ولا يعتبر أمر حاضره موكولا لإرادة خارجة عن ذاته. والإنسان الحكيم هو من يعتبر الحاضر والمستقبل شأنه هو، صناعته هو، بإرادته الفاعلة وفكره النقدي المبرأ من كل صور الانحياز لأية سلطة خارج سلطة العقل العلمي.
نعم إنه يعود إلى ذاته التي هي امتداد تاريخي جدلي، يعود بفكره النقدي إلى أعماق الذات والتاريخ لا لكي يستقر مع الماضي، ولا لكي يناجي السلف؛ وإنما لأن الرؤية النقدية للماضي استزادة معرفية تعزز مع معرفة الحاضر الحركة إلى المستقبل واستكشاف كيف آل حاله إلى ما هو عليه إيجابا وسلبا؛ إذ خبرات الماضي دالة على الفعل والفكر في التطبيق وجودا وعدما.
ومن ثم فإن الدراسة العلمية النقدية لمسيرة التاريخ مرورا إلى الحاضر واستشرافا للمستقبل هي شك وبحث وتساؤل عن كيف نبني عقلا جديدا يدعم المسيرة الحضارية، ويحفز إلى النهوض تأسيسا على منطق الواقع دون تهويم أو تخبيل نحلق معه في الفراغ .. حتى لا تمضي القرون كما هي حالنا الآن، ونحن ندور في حلقة مفرغة.
هذه الدائرة الخبيثة المفرغة، التي يشهد عليها واقع تحجر مع الفشل والتأزم هي التي توجب على الإنسان الحكيم أن يحاسب نفسه، وأداته الشك فيما اطمأن إليه خطأ، وبالسؤال عن نفسه وعن قومه وموروثه الفكري؛ أعني مسئولية هذا كله عن حالة الركود والفشل: لماذا غاب العقل والإرادة والفعل المجتمعي عن الإنجاز والمنافسة حتى أصبحنا فريسة سهلة لكل طامع؟
Bog aan la aqoon