وما من علم من أعلام التاريخ يغنينا العلم به عن العلم بكل صغيرة وكبيرة من شئون أسرته إذا استطعنا النفاذ إلى بواطنها وأسرارها؛ لأننا نفهمه كلما فهمنا كيف نشأ ومن أين أتى وماذا أخذ وماذا ترك من طبائع وسمات تظهر في قومه أو لا تظهر، ولكننا أحوج ما نكون إلى العلم بتاريخ الأسرة في هذا المقام؛ لأن القليل الذي علمناه منه يفسر لنا الكثير مما يحسبه المترجمون ألغازا في حياة الشاعر والفنان، ولو ازددنا علما بتاريخه في قريته وفي بيته لما بقي في سيرته ما يحسب في عداد الألغاز.
ولد وليام في الثالث والعشرين من شهر أبريل سنة 1564، وعمد في السادس والعشرين من ذلك الشهر في كنيسة القرية، فكتب اسمه في دفاترها كما يكتب بالصيغة اللاتينية، وتولى تعميده فيها القس برتشجيردل
Bretchgirdle
المشهور بحماسته للدعوة البروتستانتية، وكان قس الكنيسة يوم كان جون شكسبير من أمناء مجلسها.
ولا يعرف - على التحقيق - شيء عن تعليم وليام قبل سن التلمذة في مدرسة القرية، فربما تعلم مبادئ الهجاء والمطالعة في البيت قبل الثامنة من عمره: تعلمها من أمه إذا صح أنها كانت على معرفة حسنة بالكتابة كغيرها من بنات أغنياء الريف، أو تعلمها من مدرس يزورهم بين زوار أبيه، وكان يومئذ من وجوه القرية المقصودين.
وحانت سن القبول في مدرسة القرية فدخلها وانتظم في فصولها نحو خمس سنوات، وقد كان لهذه المدرسة نظار من خريجي جامعة أكسفورد يذكرون بأسمائهم في سجلات المجلس والكنيسة، وكان برنامج الدراسة في هذه المدارس التي اشتهرت باسم مدارس الأجرومية الحرة متفقا على دروس مقررة في أنحاء البلاد الإنجليزية، يتلقى التلاميذ بعد مبادئ القراءة والحساب طرفا من اللغة اللاتينية، ويقرؤون فيها حكايات إيسوب ومختارات من شيشرون وفرجيل وهوراس وأوفيد، ويمثلون بعض مناظر بلوتس وسينكا ويستظهرون نبذا من كتابات البلغاء في القرون الوسطى، ولا يدرسون من الإغريقية إلا ما يمكنهم من مراجعة الآيات في الكتب الدينية.
وحلت الضائقة بوالد وليام وهو في نحو الثانية عشرة، فترك المدرسة في هذه السن أو بعدها بقليل، وعكف على مساعدة أبيه في صناعته وتجارته ورعي ماشيته، وهي أعمال يستفيد منها الصبي الناشئ خبرة بالناس وبالطبيعة قلما تتيسر له في كتبه المدرسية.
وفي الثامنة عشرة تزوج ب «آن» كبرى بنات أبيها من أسرة هاثواي الريفية، وكانت تكبره بثماني سنوات؛ لأنها توفيت سنة 1623 وهي في السابعة والستين، فكان مولدها بين سنة 1555 وسنة 1556، ويفهم من صيغة وثيقة الزواج أنه تم بعد تردد من الأسقف المنوط به تدوين هذه العقود؛ فإن الوثيقة كتبت في السابع والعشرين من شهر نوفمبر سنة 1582، وفي الثامن والعشرين منه كتبت وثيقة أخرى يشهد فيها رجلان من مقدمي الفلاحين أنهما مسئولان عن كل طعن في الوثيقة يعرض الأسقف لتبعة المخالفة لحكم القانون.
ويظهر بعد ذلك من تاريخ ولادة البنت الكبرى «سوسن» وليام شكسبير أن أسقف التعميد داخلته الشبهة لسبب لا يخفى؛ فإن الطفلة عمدت في السادس والعشرين من شهر مايو من السنة التالية - أي بعد ستة أشهر من تاريخ وثيقة الزواج - ووجب الاعتراف بهذه الشبهة التي بادرت الأسرتان إلى الاتفاق على تصحيحها؛ إثباتا للعلاقة الشرعية دون مساس بصحة التسجيلات في تاريخ الزواج أو تاريخ الولادة. •••
وبعد ولادة سوسن بسنتين (في الثاني من شهر فبراير سنة 1585) ولد له توأمان - ذكر وأنثى - سمي الذكر هامنت والأنثى جوديث، وأصبح لزاما عليه أن يبحث عن مورد للرزق غير مورده النزر المضطرب الذي يأتيه من معونة أبيه في متجره ومصنعه، وكانت الضائقة التي حلت بأسرته تستحكم وتتأزم ولا تؤذن بانفراج قريب، ففي السنة التي ولد فيها هذان التوأمان اضطر أبوه إلى التخلف عن أعماله بمجلس القرية ودواوينها؛ فخسر وظائفه في الحكومة كما خسر ثروته في التجارة والصناعة، وأصبح لزاما على وليام أكبر أبنائه ورب الأسرة الوحيد بينهم أن يستقل بعمل يكفيه أو يهجر القرية ليعول نفسه وأهله ما استطاع.
Bog aan la aqoon