وأضاف في نبرة رقيقة، كأنما هو قس الاعتراف: «إذا أنت قلت لي الآن أين الجنرال - انظري، اسمعيني: إنني أعلم أنك تعرفين وستقولين لي - إذا أنت قلت لي أين يختبئ الجنرال سوف أفرج عنك، سوف أطلق سراحك ويمكنك الذهاب إلى بيتك مباشرة في سلام. فكري في ذلك. فكري في ذلك فحسب!» - آه يا سيدي العزيز، لو كنت أعرف لأخبرتك. ولكني لا أعرف، لا أعرف لسوء الحظ. أيتها العذراء المقدسة، ماذا أفعل؟ - لماذا تنكرين؟ ألا ترين أنك تضرين نفسك بنفسك؟
وفي الفترات التي قطعت بين كلام المدعي العام، كان الكاتب يسلك أسنانه. - حسنا، إذا كانت لا تجدي معك المعاملة الطيبة، «إذا كنت ماكرة إلى هذا الحد» ونطق المدعي العام بهذه العبارة الأخيرة بسرعة وبضيق متزايد كالبركان الذي يوشك على الانفجار «فسنجعلك تعترفين بوسائل أخرى. إنك تدركين أنك قد اقترفت جريمة بالغة ضد أمن الدولة، وإنك في يد العدالة لمسئوليتك عن فرار أحد الخونة المتمردين الثائرين القتلة أعداء السيد الرئيس ... وفي هذا الكفاية، الكفاية تماما، الكفاية تماما!»
ولم تعرف السيدة روداس ماذا تفعل. كانت عبارات هذا الرجل الشيطاني تخفي وعيدا ملحا مريعا، قد يكون الموت ذاته. وارتعد فكاها، وأصابعها، وساقاها ... وحين ترتعد اليدان تبدوان كما لو كانتا بدون عظام وترتعدان كالقفاز الفارغ. وحين يرتعد الفكان ويعجز المرء عن الكلام، يبدو كما لو كان يبرق بآلامه وأشجانه. وحين ترتعد الساقان، يبدو المرء جالسا في عربة يجرها جوادان مارقان، كروح ذاهبة إلى الشيطان.
وتضرعت قائلة: سيدي! - إني لا أمزح! هيا ، أسرعي الآن. أين الجنرال؟
وانفتح باب على مبعدة وانبعث منه صراخ طفل. صراخ دافئ، يائس ...
وحتى قبل أن يقول المدعي العام ذلك، كانت «نينيا فيدينا» قد مدت عقلها تبحث في كل الأنحاء من أين ينبعث ذلك الصراخ. - «إنه يبكي من حوالي ساعتين، وعبثا تحاولين البحث عنه ... إنه يبكي من الجوع، وسوف يموت جوعا إذا لم تقولي لي عن مكان الجنرال.»
واندفعت نحو الباب، غير أن ثلاثة رجال أوقفوها، ثلاثة متوحشين تبدو عليهم الشراسة، لم يجدوا صعوبة في التغلب على مقاومتها الأنثوية. وتهدل شعرها أثناء نضالها الذي لم يكن ثمة طائل من ورائه، وخرجت بلوزتها من تحت تنورتها وتهدل قميصها الداخلي. ولكن ماذا يهمها من سقوط ملابسها. وعادت تزحف على ركبتيها شبه عارية تتضرع إلى المدعي العام أن يتركها ترضع وليدها.
تضرعت قائلة وهي تقبل حذاء المدعي: «بحق عذراء الكرمة يا سيدي، أجل، عذراء الكرمة، دعني أرضع وليدي، إنك ترى أنه لم يعد يقوى على الصراخ، إنك ترى أنه يموت. يمكنك بعد ذلك أن تقتلني إن شئت.» - لن تنفعك أي عذراء كرمة هنا! إذا أنت لم تقولي لي أين يختبئ الجنرال، ستبقين هكذا، وابنك، إلى أن يموت من الصراخ.
وركعت كالمجنونة أمام الرجال الذين يحرسون الباب. ثم تعاركت معهم ثم عادت تركع أمام المدعي العام، وتحاول تقبيل حذائه. - سيدي، من أجل ابني! - حسنا، من أجل ابنك: أين الجنرال؟ لا فائدة من أن تركعي وتمثلي علي هكذا، لأنك إن لم تجيبي عن سؤالي لن يكون هناك أي أمل لك أبدا في أن ترضعي طفلك.
وبعد أن قال المدعي العام ذلك، وقف على قدميه بعد أن تعب من الجلوس. وكان الكاتب لا يزال يسلك أسنانه، حاملا القلم في حالة تأهب لكتابة الاعتراف الذي لن يخرج من بين شفتي الأم التعسة. - أين الجنرال؟
Bog aan la aqoon