لأن ما بين هذا السجن،
والبيوت سيئة السمعة،
يا حبيبي الصغير،
خطوة واحدة.
لم يكن البيتان الأولان من الأغنية يتمشيان مع بقيتها، ومع ذلك فإن هذا الأمر بدا كأنما يؤكد العلاقة الوثيقة بين البيوت سيئة السمعة وبين سجن «كاسا نويفا». كان وزن كلمات الأغنية مكسورا كيما تعبر عن واقع الحال المؤلم، وهو ما جعل «نينيا فيدينا» ترتعد خوفا من أن يغمرها الخوف، الآن وهي ترتعد ولم يغمر الخوف كيانها كله بعد، ذلك الخوف الغامض المرعب الذي شعرت به بعد ذلك، حين تسرب إلى عظامها ذلك الصوت الذي يشبه الأسطوانة المشروخة والذي يخفي أكثر الأسرار جرما. كان ظلما ألا تجد ما تفطر به سوى تلك الأغنية المريرة. إنهم لو سلخوها حية لما شعرت بعذاب أكثر مما كانت تشعر به الآن من سجنها؛ إذ تصغي إلى كلام ربما تعتبره السجينات الأخريات - دون أن يدركن أن فراش العاهرة أشد برودة من السجن - أملهن الأسمى في الحرية والدفء.
ووجدت راحة في التفكير بابنها. كانت تفكر فيه كما لو كانت لا تزال تحمله بين أحشائها؛ ذلك أن الأمهات لا يشعرن أبدا أن أبناءهن قد تركن بطونهن بالفعل. إن أول شيء ستفعله حين تخرج من السجن هو تعميد ابنها. لقد اتخذت كل الترتيبات. والرداء واللفاع اللذان أهدتهما له الآنسة كميلة رائعان. وكانت تعتزم الاحتفال بهذه المناسبة بتقديم أطباق «الطامال»
1
والشيكولاتة في الإفطار ، وأطباق الأرز على الطريقة «البلنسية» واليخنة في الغداء، ثم ماء القرفة وشراب اللوز والمثلجات وحلوى الرقاق في العشاء. وقد طلبت بالفعل بطاقات الدعوة الصغيرة التي سترسلها لأصدقائها، من صاحب المطبعة ذي العين الزجاجية. كما أنها تريد استئجار عربتين من محل «شومان»، تجرهما تلك الجياد الضخمة الفخمة التي تبدو كالقاطرة، ذات اللجام المتلألئ المغطى بالفضة، والسائقين الذين يرتدون قبعات طويلة ومعاطف الفراك. وعند ذاك حاولت طرد هذه الأفكار من رأسها حتى تتجنب مصيرا كمصير ذلك الرجل الذي قال لنفسه عشية ليلة عرسه. في مثل هذه الساعة غدا، ستكونين ملك يميني يا حبيبتي الصغيرة! ثم نكب بأن سقط قالب طوب على رأسه وهو في طريقه إلى الكنيسة في اليوم التالي ومات.
وأخذت تفكر ثانية في طفلها، في استغراق سعيد جعلها لا تلاحظ أنها تحدق دون أن تشعر إلى شبكة من الرسوم الإباحية المحفورة على حائط الزنزانة، مما جعلها تضطرب من جديد، رسوم صلبان، عبارات، أسماء رجال، تواريخ، أرقام العلوم السرية، مختلطة وسط رسوم جنسية من كل حجم ونوع. كانت ثمة كلمة دينية إلى جوار رسم لعضو جنسي، ورقم «13» على رسم خصيتين هائلتين، شياطين ذوو أجسام معقوصة كالشمعدانات، زهور صغيرة لها أصابع بشرية بدلا من الأوراق، كاريكاتور لقضاة ومحامين، قوارب صغيرة، مراس، شموس، أسرة أطفال، شموس ذات شوارب لرجال الشرطة، أقمار لها وجوه عوانس، نجوم ثلاثية وخماسية، ساعات، صفارات، قيثارات ذات أجنحة، سهام.
وغلبها الفزع فحاولت الهروب من عالم الجنون والضلال هذا، كيما تسقط في الإباحية فحسب التي تغطي الجدران الأخرى في الزنزانة. وأغلقت عينيها وقد أخرسها الفزع، كانت كامرأة بدأت تهوي من على منحدر شاهق، تتفتح حولها مهاو بدلا من النوافذ، والسماء تستعرض نجومها كما يستعرض الذئب أنيابه.
Bog aan la aqoon