أجل يا سيدي، إنهم عاجزون. لقد أعلنوا ثلاث مرات أن لا أمل البتة. - وهل تقولين يا بترونيلا إن معجزة فحسب قادرة على إنقاذها؟ - هو ذاك. وإن قلبي يدمي من أجل ذلك الشاب المسكين. - حسنا، إن عندي الحل. لسوف نعمل على أن تحل تلك المعجزة. إن الشيء الوحيد الذي يمكنه مكافحة الموت هو الحب؛ لأن الحب والموت، كما يخبرنا «نشيد الإنشاد» لهما قدر مماثل من القوة: وإذا كان حبيب هذه الفتاة - كما تقولون - يعبدها، ويحبها حبا عميقا، أعني بكل فؤاده وجوارحه ويريد الزواج منها، لذا فبإمكاننا أن ننقذ حياتها عن طريق مراسم الزواج المقدسة. وطبقا لنظريتي في التطعيم، فإن هذا هو ما يجب فعله في هذه الحالة.
وكاد أن يغمى على «بترونيلا» بين ذراعي المعلم. وأيقظت المنزل كله، وذهبت مرة أخرى إلى منازل الصديقات، وأرسلت «لامسكواتا» كيما تحدث القس. وفي نفس ذلك اليوم تم زواج ذي الوجه الملائكي وكميلة، على أعتاب العالم الآخر. وأمسك ذو الوجه الملائكي يدا طويلة رقيقة، باردة كسكين ورق عاجية، في يده اليمنى المحمومة، بينما تلا القس عبارات مراسم الزواج الديني باللاتينية. وكان سكان منزل «المائتين» حاضرين: إنغراسيا، والمدرس يرتدي ملابس سوداء. هتف المعلم بالإنكليزية حين انتهت مراسم الزواج: اخلقي لنفسك روحا جديدة، من أجلي!
الفصل الحادي والثلاثون
حراس من جليد
كان يرى في مدخل السجن صفان من سيوف البنادق اللامعة؛ وكان الجنود القائمون بالحراسة يجلسون في مواجهة أحدهم الآخر كأنهم المسافرون في عربات السكة الحديد المظلمة وفجأة، توقفت إحدى العربات المارة أمام الباب. وانحنى السائق إلى الخلف كي يسيطر على الزمام على نحو أفضل، وهو يهتز من جانب إلى آخر كالدمية المصنوعة من الخرق القذرة، ويطلق السباب. لقد كاد يفقد توازنه ويسقط. ووصل صوت احتكاك عجلات العربة بالأرض من جراء إيقافها بغتة إلى داخل المبنى المشئوم ذي الجدران الملساء العارية، وترجل من العربة ببطء رجل مستدير البطن لا تكاد ساقاه تصلان إلى الأرض. وشعر السائق بأن عربة الأجرة قد استراحت من ثقل وزن المدعي العسكري العام، فوضع سيجارته المطفأة بين شفتيه الجافتين ... يا لها من راحة أن يبقى وحده مع جياده! وأرخى الزمام وساق العربة كيما ينتظر في مواجهة المنزل، إلى جانب حديقة صخرية كقلب الخونة المقدود من صخر، في نفس اللحظة التي ألقت فيها إحدى النسوة بنفسها أمام قدمي المدعي العام، راجية منه في صوت عال أن يستمع إلى شكواها. - «انهضي يا سيدتي؛ لا يمكنني أن أستمع إليك على هذا النحو! كلا، انهضي أرجوك؛ لم أتشرف بعد بمعرفتك.» - إنني زوجة كرفخال المحامي. - انهضي.
ولكنها انفجرت مرة أخرى: لقد كنت أبحث عنك طوال الليل والنهار يا سيدي، في كل ساعة، في كل مكان؛ في منزلك، في منزل والدتك، في مكتبك، بلا جدوى. إنك الشخص الوحيد الذي يعرف ماذا حدث لزوجي؛ إنك الوحيد الذي يعرف؛ إنك الوحيد الذي يمكنه أن يدلني. أين هو؟ ماذا حدث له؟ قل لي يا سيدي إن كان لا يزال حيا؟ قل لي يا سيدي إنه لا يزال على قيد الحياة ... - الواقع يا سيدتي أن المجلس العسكري الذي سينظر في قضية زميلي المحامي قد تلقى أمر استدعاء عاجلا للاجتماع هذه الليلة.
آآآآآ ... ه!
وارتعشت شفتاها اللتان لم تستطع إطباقهما من الفرحة. إنه لا يزال حيا! ومع هذا النبأ جاءها الأمل.
حيا! ... ربما إنه بريء ... فسيطلقون سراحه ... بيد أن المدعي العام أضاف دون أن يغير نبرته الباردة: إن الوضع السياسي للبلد لا يسمح للحكومة أن تتهاون بأي حال من الأحوال مع أعدائها يا سيدتي. هذا هو كل ما أستطيع أن أقوله لك. اذهبي إلى السيد الرئيس واستسمحيه للإبقاء على حياة زوجك، فقد يحكم عليه بالموت ويعدم رميا بالرصاص، وفقا للقانون، بعد أربع وعشرين ساعة. - آه، آه، آه ... - إن القانون فوق الأشخاص يا سيدتي، وما لم يعف السيد الرئيس عنه ... - آه، آه، آه ...
ولم تستطع الحديث، ووقفت هناك وقد غاض اللون من وجهها وصار أبيض كالمنديل الذي كانت تقطعه مزقا بأسنانها، ساكنة، بلا حراك، تائهة الفكر، تلوي أصابعها.
Bog aan la aqoon