Seef iyo Dab ka Sudan

Salatin Basha d. 1351 AH
141

Seef iyo Dab ka Sudan

السيف والنار في السودان

Noocyada

من الصناعات التي عني بها السودانيون؛ عمل الأحذية الصفراء والحمراء، والسروج المختلفة الأنواع، والأحجبة الجلدية لصغار الأولاد والبنات، وأعمال السيوف وقرابات المدى. أما الكرابيج فتصنع بمقادير وافرة جدا من جلد فرس البحر.

علينا ألا ننسى زراعة القطن وتجارته في السنين الأخيرة في القرن التاسع عشر في السودان، فقد كان مصرحا لكل امرأة أو بنت أن تغزل لحسابها الخاص، وإلى جانب هذا العمل الخاص وجدت في كل قرية أماكن صغيرة للغازلات اللاتي يقمن بمختلف أنواع النسيج. أما أرض الجزيرة ففيها ناسجات وناسجون لأنواع مختلفة من الملابس القطنية كالأثواب والدمور والجنجس، التي يبلغ طول كل قطعة جزئية منها عشر ياردات، فإذا ما تم نسج الأقمشة المذكورة، جلبها أصحاب المحال الصغيرة إلى الأسواق بكميات كبيرة على أن يشتريها أفراد الطبقة العامية من رجال ونساء. ولا شك في أن أعلى نوع من الغزل ينسج في مديرية بربر، ففي تلك الناحية تنسج النساء أغطية وجلاليب من الحرير الملون، ويغزلن قطعا حريرية تستعمل كعمائم للأغنياء، وبعض الأحزمة التي يلفها لابسو العمائم الأغنياء فوق كساواتهم الحريرية القطنية. وفي هذا الصدد نذكر الشيلان الحريرية التي تروج في مختلف الأنحاء رواجا عظيما.

تقوم مديرية دنقلة بمقدار كبير من نسيج القطن، ولكن هذه الدائرة مشهورة شهرة خاصة بصنع أغطية قلوع المراكب. وإنه لواجب علينا في صدد تقرير الحق أن نشهد لرجال كردوفان بمتانة نسيجهم، بغض النظر عن بعد ما يصنعونه عن الجمال في المنظر.

إلى جانب غزل القطن، تجد النساء والبنات عملا آخر رابحا؛ هو ضفر الحصر من جميع الأشكال والحجوم من أوراق شجر الدوم، التي تباع بكثرة في جميع نواحي السودان. ولا مشاحة في أن أمتن نوع من هذه الحصر هو الذي يضفر من الخيوط الضيقة من الأوراق المذكورة ومن قش الشعير والقطع الجلدية الرفيعة. ولا تستعمل الحصر المذكورة في فرش الغرف فحسب، بل تحت أطباق الأكل أيضا؛ بحيث تكون الحصيرة في السودان غطاء للمائدة بدلا من أغطية القماش المستعملة في الغرب.

وقد تبلغ جودة عمل الحصر حدا ترسل معه مقادير كبيرة إلى مصر كتحف وطرائف للأوروبيين الذين يقصدون القطر المصري في شهور الشتاء.

إن نساء دارفور على مهارة خاصة في صنع الحصر المذكورة، التي توضع بين ثناياها بعض الخرزات الزجاجية؛ مما يؤدي إلى اكتسابها رونقا جميلا جدا. •••

اجتهدت في الصحائف السابقة أن أصور للقارئ حياة الخليفة العامة وشئون السودان في عهده، ولكن ذلك التصوير لا يأخذ شكله الدقيق بدون الإشارة إلى حالة السودانيين الخلقية، فأقول إن المهدي سعى جهده في ترك التعاليم والعوائد الدينية الرئيسية، وإنشاء نظم دينية جديدة؛ فبث أوامره في صنوف الشعب، ودعا ذلك بطبيعة الحال إلى إفساد الأخلاق؛ لأن الناس اضطروا في الظاهر إلى مجاراة المهدي، بينا هم في الواقع متمسكون بتعاليم الدين الأصلية. وفي هذا الاختلاف بين ما يعتقده المرء وما يدعي أمام الخليفة لاحترامه إغراء على الكذب، وهذا الإغراء الجزئي ينتهي إلى شر خلقي مستطير. وعلينا أن نذكر بأن الناس خافوا بطش الخليفة من ناحية، وتمسكوا بمصالحم وشهواتهم من الناحية الأخرى؛ فدعا ذلك إلى فساد خلقي عظيم لا أستطيع وصفه للقراء. ومهما يكن الأمر، فقد كان أغلب سكان السودان غير مرتاحين إلى الحالة العامة في السودان عامة وفي أم درمان - حيث يقيم عبد الله - خاصة؛ لأنهم أشفقوا على حرياتهم الشخصية من تعسف رجال الخليفة عبد الله، ففضلوا حينذاك الانصراف إلى أهوائهم وملذاتهم والإسراف فيها بقدر ما تسمح لهم أجسامهم.

نستطرد الآن إلى نقطة حيوية هامة؛ وهي عدم وجود حياة اجتماعية أو تبادل بين النفوس، فكان الحل الوحيد الذي أجمع عليه السودانيون أمرهم هو الإغراق في بحار الشهوات، والميل إلى حب النساء حبا بهيميا لا ينتهي عند حد، ففكر حينئذ كل سوداني في الحصول على أقصى عدد من النساء كزوجات له إلى جانب محظياته وسراريه، فكان الخليفة - من هذه الناحية - مشجعا لرعاياه على السير في طريق اللذة المفسدة. ومن دلائل ذلك التشجيع أنه أمر بتخفيض مصاريف الزواج الرسمية تخفيضا ظاهرا؛ فبعد أن كان صداق البنت عشرة ريالات أصبح خمسة، وصار صداق الأرملة أقل من ذلك، ومعه لباس عادي وحذاءان وبعض روائح عطرية.

إذا رغب سوداني في الاقتران ببنت وجب على والدها أو ولي أمرها أن يعلن مصادقته، وفي العادة لا يحول دون هذا القبول سوى مانع قوي جدا. وعلى أية حال فالآباء وأولياء الأمور مسئولون دائما عن زواج بناتهم أو من يتولون رعايتهن؛ بحيث يصبحن زوجات متى بلغن عمرا مناسبا.

ذكرنا قبلا إغراق السوداني في لذته؛ وإذن لا عجب أن نرى بأن حصول السوداني على أربع زوجات - وهو أقصى ما صرح به القرآن من عدد للزوج - أمر عادي جدا، حتى إن السوداني في ذلك الحين عد الحصول على الزوجة حصولا على متاع بسيط. هذا إلى أن السودانيات كن يرغبن رغبة شديدة في هذا الزواج؛ إما للحصول على بعض ملابس وكمية صغيرة من المال، وإما للرغبة في نظام جديد من الحياة لم يكن يعرفنه في منازل آبائهن وأولياء أمورهن. وفي الوقت ذاته كن على علم بأنهن - تبعا لنصوص الشريعة - يستطعن الانفصال عن أزواجهن بدون عناء كبير.

Bog aan la aqoon