الثوري -فإن فيها عن ضعفاء، ولم يصح له التمييز- قرب الحال؛ إنما تعليله بجمع الهم، هو الدليل على أنها ليست كذلك، فانظر إلى قلة العلم ماذا تؤثر مع أهل الخير!
٧٩- ولقد بلغنا في الحديث عن بعض من نعظمه، ونزوره: أنه كان على شاطئ دجلة، فبال، ثم تيمم! فقيل له: الماء قريب منك! فقال: خفت ألا أبلغه! وهذا، وإن كان يدل على قصر الأمل، إلا أن الفقهاء إذا سمعوا عنه مثل هذا الحديث، تلاعبوا به، من جهة أن التيمم إنما يصح عند عدم الماء، فإذا كان الماء موجودًا، كان تحريك اليدين بالتيمم عبثًا، وليس من ضرورة وجود الماء أن يكون إلى جانب المحدث، بل لو كان على أذرع كثيرة، كان موجودًا، فلا فعل للتيم، ولا أثر حينئذ.
٨٠- ومن تأمل هذه الأشياء، علم أن فقيهًا واحدًا -وإن قل أتباعه، وخفت إذا مات أشياعه- أفضل من ألوف تتمسح العوام بهم تبرُّكًا! ويشيع جنائزهم ما لا يحصى.
وهل الناس إلا صاحب أثر يتبعه، أو فقيه يفهم مراد الشرع، ويفتي به؟!
نعوذ بالله من الجهل وتعظيم الأسلاف تقليدًا لهم بغير دليل، فإن من ورد المشرب الأول، رأى سائر المشارب كدرة.
٨١- والمحنة العظمى مدائح العوام، فكم غرت! كما قال علي ﵁: ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئًا.
ولقد رأينا وسمعنا من العوام أنهم يمدحون الشخص، فيقولون: لا ينام الليل، ولا يفطر النهار، ولا يعرف زوجة، ولا يذوق من شهوات الدنيا شيئًا، قد نحل جسمه، ودق عظمه، حتى إنه يصلي قاعدًا، فهو خير من العلماء الذين يأكلون، ويتمتعون! ذلك مبلغهم من العلم.
ولو فقهوا، علموا أن الدنيا لو اجتمعت في لقمته، فتناولها عالم يفتي عن الله، ويخبر بشريعته، كانت فتوى واحدة منه، يرشد بها إلى الله تعالى خيرًا وأفضل من عبادة ذلك العابد باقي عمره، وقد قال ابن عباس ﵁: فقيه واحد أشد على إبليس من ألف عابد.
1 / 48