قومٍ، وقال: حملني شهوة الحديث، وهذا؛ لأنه كان يكتب عن الضعفاء والمتروكين، فكأنه لما عسر عليه التمييز، أوصى بدفن الكل. وكذلك من كان له رأي من كلامه، ثم رجع عنه، جاز أن يدفن الكتب التي فيها ذلك. فهذا وجه التأويل للعلماء.
٧٦- فأما المتزهدون الذين رأوا صورة فعل العلماء، ودفنوا كتبًا صالحةً، لئلَّا تشغلهم عن التعبد، فإنه جهل منهم؛ لأنهم شرعوا في إطفاء مصباح يضيء لهم، مع الإقدام على تضييع مال لا يحل تضييعه.
٧٧- ومن جملة من عمل بواقعة دفن كتب العلم يوسف بن أسباط١، ثم لم يصبر عن التحديث، فخلط، فعد في الضعفاء.
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك٢، قال: أخبرنا محمد بن المظفر الشامي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي، قال: حدثنا يوسف بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن عمرو العقيلي٣، قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: أخبرنا أحمد بن خالد الخلال، قال: سمعت شعيب بن حرب٤ يقول: قلت ليوسف بن أسباط: كيف صنعت بكتبك؟ قال: جئت إلى الجزيرة، فلما نضب الماء دفنتها، حتى جاء الماء عليها فذهبت. قلت: ما حملك على ذلك؟ قال: أردت أن يكون الهمُّ همًّا واحدًا.
قال العقيلي: وحدثني آدم: قال: سمعت البخاري٥، قال: قال صدقة: دفن يوسف بن أسباط كتبه، وكان بعد يغلب عليه الوهم، فلا يجيء كما ينبغي.
٧٨- قال المؤلف: قلت: الظاهر أن هذه كتب علم ينفع؛ ولكن قلة العلم أوجبت هذا التفريط، الذي قصد به الخير، وهو شر، فلو كانت كتبه من جنس كتب
_________
١ من سادات المشايخ، زاهد عابد، توفي سنة نيف وتسعين ومئة.
٢ الأنماطي، أبو البركات، من شيوخ المؤلف، كان إمامًا حافظًا، عابدًا سريع الدمعة، دائم البشر "٤٦٢ - ٥٣٨ هـ".
٣ محمد بن عمرو بن موسى بن حماد، أبو جعفر، الإمام الحافظ الناقد، توفي سنة "٣٢٢هـ".
٤ شيخ الإسلام، الإمام القدوة العابد، أبو صالح المدائني المجاور بمكة، توفي بها سنة "١٩٦هـ".
٥ محمد بن إسماعيل إمام أهل الحديث صاحب الصحيح "١٩٤- ٢٥٦هـ".
1 / 47