بعد مرور عدة سنوات من انفصالي عن تاميا سمعت بخبر زواج ساي، كان جرحا في الروح، حاولت الانغماس في العمل أكثر لتناسي هذه الفاجعة. لا أدري ماذا كنت أنتظر أو لماذا صدمت؟ فهذا حقها الطبيعي! وانفصالنا ليس وليد هذه اللحظة! كنت وما زلت أنانيا، لربما كنت أتمنى من ساي أن تبقى أسيرة حبي، أن تغلق على نفسها كل الأبواب من بعدي. كم أحسد ذلك الرجل الذي ارتبط بها!
أما ما جرى معي فإنني أصبحت لا أغادر المستشفى إلا للنوم، وبعد عدة شهور من الضغط الجسدي والنفسي بدأت حالتي الصحية بالانهيار. قمت بإجراء التحاليل والفحوص اللازمة ليتبين لي بعدها أني مصاب بمرض السرطان في الرئة. يا للقدر! وأنا الذي لم يشعل سيجارة في حياته! تبين لي أن ليس لكل سبب نتيجة، وأن الأقدار تأتينا بما لا نتوقعه، تبين لي كم كانت ساي محقة حين كانت تقول دوما: هي حياة واحدة فلنعشها بسعادة!
بعد سماع هذا الخبر أردت فعل شيء واحد فقط، ألا وهو رؤية ساي، الاعتذار لها، وإخبارها أنها كانت على حق، أردت إخبارها أن تكمل حياتها بكل الجنون الذي عهدتها عليه وأن تحياها بسعادة بالطريقة التي تراها مناسبة، وبالفعل هذا ما قمت به، رتبت زيارة لي في عيادتها كمريض لرؤيتها والتحدث معها. لم أعد أنا نفسي ذاك الشخص المنطقي بعد المرض، فقبل مرضي لم أكن لأقدم على خطوة كهذه، ولكن الآن اختلفت لدي الكثير من المعايير.
نعم ذهبت لزيارة ساي في عيادتها الجديدة، وهي الآن امرأة متزوجة. إنني مدرك لهذا الشيء ولكن أريد التأكد أيضا، هل هي سعيدة أم لا، فأنا أفهم كل تعابير ساي. أعرف أن عينيها لا تستطيعان إخفاء المشاعر التي تعتريها من حزن أو فرح.
قابلت هناك الممرضة ذاتها، لا بد أنها انتقلت مع ساي، استقبلتني بالحرارة ذاتها التي كانت تعاملني بها حين كنت أعمل في العيادة المجاورة لعيادة ساي. لطالما أثار هذا غيظ ساي، كانت تقول لي: انظر كيف تعاملني ببرود، وكيف تعاملك بلطافة مبالغة. في البداية كنت آخذ الأمر على محمل الضحك وأشعر أنها غيرة النساء، بل كان ذلك يسعدني ويشعرني بمدى اهتمام ساي بي، ولكن قبل طلاقنا بفترة أذكر كم ضقت ذرعا من أي تعليق صغير يدل على الغيرة التي كنت أحبها سابقا من ساي. وكأن تفكيرنا يزين الأشياء لنا حين نود ذلك والعكس صحيح. فهو يعمل على تقبيح كل شيء جميل حتى يقع ما هو مقدر. فالغيرة نفسها التي كنت أعشقها في البداية، أصبحت لا أحتملها، أهذا هو القدر؟
دخلت إلى عيادة ساي، وجلست على الكرسي ذاته وللمرة الثالثة، ما زلت أذكر المرتين الأولى والثانية وكأنهما حصلتا بالأمس، ما زلت أذكر السعادة التي اعترتني في المرة الأولى حين فاجأت ساي وقدتها إلى العيادة حيث لم تكن تعلم بأمرها شيئا. أذكر كيف أجلستني على الكرسي لتجرب دورها كطبيبة نفسية، وقالت: أخبرني ماذا تشعر يا مريضي الأول؟ أذكر إجابتي وكأنها محفورة في قلبي، أجبتها حينها: أشعر بأن هناك مجنونة اقتحمت حياتي، أعشقها وتعشقني ، ولكن مشكلتها أنها تقودني لطريق الجنون معها.
لم أنس صوت ضحكتها حينها! لم أنس كيف حضنتني بقوة ونظرت إلي بامتنان لتعلمني بمدى فرحها بتلك الهدية التي لم تكن تتوقعها. كما ما زلت أذكر الحزن الذي اعتراني في المرة الثانية حين أعلمتها برغبتي في الطلاق، لم أنس صوت بكائها حينها. لم أنس كيف نظرت إلي بعتاب وانكسار وألم لتعلمني بمدى الجرح الذي سببته لها ولم تكن لتتوقعه مني. أما اليوم فأنا لا أعرف كيف أصف شعوري، ولكنه أقرب ما يكون إلى الندم منه إلى أي شيء آخر.
رحبت بي ساي كأي مريض، أدركت من عينيها أنها تجاوزتني وأنها تشعر بالسعادة والرضا التام؛ لذا لا حاجة لي بأن أسألها. في بداية الأمر لم أشأ أن أخبرها عن مرضي وأن أعكر صفو حياتها بخبر كهذا، ولكن علي أن أعلل سبب قدومي فإني إن لم أخبرها ستسأل بالتأكيد وستشك في أمري، وستعرف الحقيقة سواء مني أم من أي طبيب آخر، ففي وسطنا الطبي تنتشر أخبار كهذه كالنار. حين أخبرتها بذلك عرضت علي ساي مكانا جديدا للعلاج في النمسا فلها أصدقاء هناك يعملون على تطوير أشعة جديدة لعلاج الأورام وهم يحتاجون لمتطوعين، وافقت على الحال لأنها ستكون خدمة للبشرية وكنت أنا المريض المثالي، وفي نهاية الأمر أنا طبيب وأدرك قيمة المتطوع البشري لاختبار الأدوية والعلاجات الجديدة.
هممت بالرحيل والحزن والندم يعتصران قلبي على فقدانها إلى الأبد، شعرت أني حزين لفقدانها أكثر من حزني على مرضي؛ فالانفصال عنها شيء قررته أنا بنفسي وعملت له، أما مرضي شيء لم أقرره أنا، وعلي أن أواجهه بقوة وألا أستسلم لليأس. لم يكن هدفي أن أضع نفسي في مواجهة أعلم مسبقا أني الخاسر فيها، لم أرغب أن أخبر ساي أني لم أتوقف يوما عن حبها وأنها الوحيدة في قلبي، فحتى لو لم تكن ساي مع هيروكي هي لن تكون معي لأنها تحتاج إلى حب أكثر نضجا، إلى حب تثق فيه، إلى حب لا يتعبها كما أتعبتها أنا. اكتشفت أخيرا وبعد هذه السنين أني أنا نفسي لم أكن الناضج في علاقتنا وليس العكس كما كنت أزعم. قلت لها تلك الكلمات قبل أن أغادر: ساي، كوني سعيدة أينما كنت ومع من كنت فالسعادة تليق بك، مشكلتي أني كنت عبثا أحاول أن أبحث عن السعادة معك، ولم أكن أدرك أنك أنت السعادة بعينها،
ورحلت.
Bog aan la aqoon