حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني» (١) ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء، وكذلك سائر الصحابة الذين كانوا ببيت المقدس وغيرها من الشام مثل معاذ بن جبل، وأبي عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء وغيرهم لم يعرف عن أحد منهم أنه سافر لقبر من القبور التي بالشام لا قبر الخليل، ولا غيره، كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر، وكذلك الصحابة الذين كانوا بالحجاز والعراق وسائر البلاد، كما قد بسطنا هذا في غير هذا الموضع.
فإن قيل: الزائر في الحياة إنما أحبه لله لكونه يحبه في الله، والمؤمنون يحبون الرسول أعظم، وكذلك يحبون سائر الأنبياء والصالحين، فإذا زارهم أثيبوا على هذه المحبة، قيل حب الرسول من أعظم واجبات الدين وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار» (٢) وفي الحديث الصحيح عن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» (٣) رواه البخاري عن أبي هريرة قال: والذي نفسي بيده.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي ﷺ وهو آخر بيد عمر فقال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي، فقال النبي ﷺ: «لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك» فقال عمر، فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي قال الآن يا عمر (٤)، وتصديق ذلك في القرآن قوله: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة ٠٢٤)
وقال: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾ (المجادلة ٠٢٢)
_________
(١) تقدم.
(٢) الحديث رواه البخاري ١/٦٠، ٧٢، ١٠/٤٦٣ و١٢/٣١٥ ومسلم ١/٦٦ جميعًا عن أنس
(٣) أخرجه البخاري ١/٥٨ عن أبي هريرة وانس ومسلم ١/٦٧ عن أنس.
(٤) رواه البخاري ١١/٥٢٣ و٧/٤٣ و١١/٥٤ و٥٢٣.
1 / 82