لذلك منهي عنه، كما صرح به مالك وجمهور أصحابه، وكما نهى عنه، وإذا كان منهيًا عنه أو ليس بقربه لم يشرع الإعانة عليه، وابن عمر ﵄ لم يكن يسافر إلى المدينة لأجل القبر، بل المدينة وطنه، فكان يخرج منها لبعض الأمور، ثم يرجع إلى وطنه فيأتي المسجد، فيصلي فيه ويسلم،ـ فأما السفر لأجل القبور فلا يعرف عن أحد من الصحابة، بل ابن عمر كان يقدم إلى بيت المقدس ولا يزور قبل الخليل ﷺ: وكذلك أبوه عمر ﵁ ومن معه من المهاجرين والأنصار قدموا إلى بيت المقدس، ولم يذهبوا إلى قبر الخليل ﵇، وكذلك سائر الصحابة الذين كانوا ببيت المقدس وسائر أهل الشام لم يعرف عن أحد منهم أنه سفر إلى قبر الخليل ﵇ ولا غيره كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر، وما كان قربه للغرباء فهو قربة لأهل المدينة كإتيان قبور الشهداء وأهل البقيع، وما لم يكن قربة لأهل المدينة لم يكن قربة لغيرهم كاتخاذ بيته عيدًا واتخاذ قبره وقبر غيره مسجدًا، وكالصلاة إلى الحجرة والتمسح بها وإلصاق البطن بها والطواف بها وغير ذلك مما يفعله جهال القادمين، فإن هذا بإجماع المسلمين ينهي عنه الغرباء، كما ينهىلا عنه أهل المدينة ينهون عنه صادرين وواردين باتفاق المسلمين.
وبالجملة: فجنس الصلاة والسلام عليه والثناء عليه ﷺ ونحو ذلك مما استحبه بعض العلماء عند القبر للواردين والصادرين هو مشروع في مسجده وسائر المساجد، وأما ما كان سؤالًا له فهذا لم يستحبه أحد من السلف لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ثم بعض من يستحب هذا من المتأخرين يدعونه مع البعد فلا يختص هذا عندهم بالقبر، وأما نفس داخل بيته عند قبره فلا يمكن أحد الوصول إلى هناك ولم يشرع هناك عمل يكون هناك أفضل منه في غيره، ولو شرع لفتح باب الحجرة للأمة، بل قد قال: «لا تتخذوا بيتي عيدًا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» (١) صلوات الله وسلامه عليه.
وقد تقدم ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن عبد العزيز الداروردي، عن سهيل بن أبي سهيل، قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فناداني فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت سلمت على النبي ﷺ، فقال: إذا دخلت المسجد فسلم على النبي ﷺ، قم قال: إن رسول الله ﷺ قال: «لا تتخذوا بيتي عيدًا وصلوا علي
_________
(١) الحديث تقدم تخريجه ص٤٧ والشيخ ﵀ غالبًا ما يروي الأحاديث بالمعنى لأنه أكثر ما ألف كتبه في السجن فالحديث لفظه «لا تتخذوا قبري عيدًا» .
1 / 81