ويجب الفرق بين الزيارة الشرعية التي سنها رسول الله ﷺ وبين البدعية التي لم يشرعها، بل نهى عنها مثل اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، والصلاة إلى القبر واتخاذه وثنًا (١)، وقد ثبت في الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» (٢) حتى إن أبا هريرة سافر إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى بن عمران ﵇ فقال له بصرة بن أبي بصرة الغفاري: لو أدركتك قبل أن تخرج لما خرجت، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاث مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، ومسجد بيت المقدس» (٣) .
فهذه المساجد شرع السفر إليها لعبادة الله فيها بالصلاة والقراءة والذكر والدعاء والاعتكاف والمسجد الحرام يختص بالطواف لا يطاف بغيره، وما سواه من المساجد إذا أتاها الإنسان وصلى فيها من غير سفر كان ذلك من أفضل الأعمال كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: «من تطهر في بيته ثم خرج إلى المسجد كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة، والعبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، اللهم اغفر له اللهم أرحمه ما لم يحدث» (٤) .
ولو سافر من بلد إلى بلد مثل أن يسافر إلى دمشق من مصر لأجل مسجدها، أو بالعكس، أو يسافر إلى مسجد قباء من بلد بعيد لم يكن هذا مشروعًا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، ولو نذر ذلك لم يف بنذره باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم إلا خلاف شاذ عن الليث بن سعد في المساجد.
_________
(١) قلت وكذلك الزيارة التي يحصل فيها الذبح فوق القبور ودعاء الأموات وطلب الحاجات منهم فهذا يعتبر شركًا والزيارة شركية.
(٢) تقدم برقم (٨) .
(٣) رواه أحمد ٦/٧ بسند صحيح و٣/٦٤، ٦٩ من حيث أبي سعيد الخدري وفي مسنده شهر بن حوئب=
=فائدة: وقع في مسند الإمام أحمد ٦/٧ قرأت على عبد الرحمن مالك عن يزيد لعل الصوابت (قرأت علي عبد الرحمن عن مالك..) كما في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي وترجمة مالك بن أنس في تهذيب التهذيب، ثم أن الصحيح أنه من مسند أبي بصرة الغفاري، راجع صحيح الجامع رقم ٧٢٤٨ وأحكام الجنائز ص٢٢٤ وما بعدها فإنه بحث نفيس جدًا.
وروى هذه القصة مطولة النسائي. ٣/١١٣.
(٤) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة ١/٥٦٤ و٢/١٣١ و٤/٣٣٨ ومسلم ١/٤٥٩ و١/٤٥٣ من حديث عبد الله بن مسعود.
1 / 32