وهال جدي الأمر فقال بانزعاج: أأنت رجل؟! ألا ليتك خلقت بنتا؛ إذن لكنت أكمل الفتيات! .. أتريد أن تقطع حياتك التعليمية في الطور الأخير منها لأنك عجزت عن قول كلمتين! .. والله لو كانت أمك مكانك لخطبت الموجودين!
وجعلت أمي تقبض أصابع يمناها وتبسطها في تشنج وتقول: حسدوه .. حسدوه يا ربي!
وحاول جدي أن يثنيني عن عزيمتي تارة باللين وتارة بالعنف، ولكن اليأس ثبت عنادي فلم أنثن، ولما فرغ صبره قال: إذن ضاعت السنة، وليس ثمة فائدة من إلحاقك بكلية أخرى بعد انقضاء شهرين ونيف على افتتاح العام الدراسي.
فركبني الخوف أن يلقى بي تارة أخرى إلى عذاب التعليم فقلت: ليس ثمة فائدة من مواصلة التعليم.
وقاطعتني أمي هاتفة بألم: لا تقل هذا يا كامل؛ بل لتواصلن التعليم سواء في هذا المعهد أم أي معهد آخر.
وضرب جدي كفا بكف وهو يقول: لقد جن، وهذه نهاية التدليل!
ولكني كنت كمن يدافع عن نفسه حيال الموت، ولم يعد بي من صبر أواجه به الطلبة والدروس والامتحانات، فقلت بقنوط: لا أستطيع .. لا أستطيع .. ارحموني!
وثار جدل عنيف صمدت له بقوة لا قبل لي بها؛ قوة مصدرها الخوف واليأس، حتى سكت جدي مغيظا محنقا. وبعد فترة صمت مرهق سألني: أترغب أن تتوظف بالبكالوريا؟
فقلت خافض العينين: نعم!
واختلست منه نظرة فوجدته صامتا مقطبا ويده تعبث بشاربه الفضي. وحولت عيني إلى أمي فرأيتها مغرورقة العينين. ومع ذلك فلست أشك في أن معارضة جدي كانت نصف جدية فقط. ولو أنه أراد حقا أن يكسر عزيمتي لما وسعني مخالفته. والحق أن أمر مستقبلنا كان يحتل من تفكيره مكانا واسعا، وخاصة في تلك الأيام الأخيرة التي استوفى فيها شيخوخته ، ولعله ارتاح لاقتراح توظيفي ليطمئن على مصير أمي.
Bog aan la aqoon