84

فأحس يوري ألم الغيرة لحظة ولكنه أجاب بتؤدة بعد جهد لطيف: «إنه رجل طيب.»

فقالت: «ما أعظم انقطاعه لعمله.»

فسكت يوري وتصاعد من المرج ضباب رقيق أشهب وحال لون الحشائش تحت الندى.

وقالت سينا وهي ترتجف قليلا: «لقد اشتدت الرطوبة.»

فنظر يوري إلى كتفيها الرقيقتين المستديرتين واضطرب فجأة.

وأحست هي بنظرته فسرت إليها عدوى الاضطراب، وإن كان قد سرها ما لاحظت وقالت: «لنقم من هنا.»

وعادا أدراجهما آسفين وقطعا ممشى الحديقة الضيق وكانا يحتكان أحيانا وهما سائران: وكل ما حولهما مظلم مهجور. وخيل إلى يوري أن ستبدأ حياة الحديقة الآن - حياة مستسرة مجهولة - وأن ستتسلل بين الأشجار وترتمي على الحشائش المثقلة بالأنداء ظلال غريبة متى احلولك الظلام، وأن أصواتا ستتهامس في المخضر الساكن من أرجائها.

وأفضى إلى سينا بهذا الخاطر فشخصت بعينيها السوداوين إلى الظلام وهي تفكر وقام في نفس يوري أن «سينا» لو نضت عن جسمها كل أرديتها وانطلقت تعدو على الحشائش المطلولة إلى حيث تتكاثف الأشجار - وهي عارية بيضاء جذلة - لما كان في هذا شيء من الغرابة. بل أخلق به أن يكون أمرا طبيعيا حسن الوقع. وليس من شأن هذا الحادث - إذا وقع - أن يزعج حياة الحديقة الخضراء المظلمة ولعلها تستوفي به حاجتها، ونازعته نفسه أن يسر إليها بهذا الخاطر، ولكن شجاعته خانته فتحدث إليها عن المحاضرات والشعب، ولكن الحديث كان مقطع الأوصال ثم كفا عن الكلام كأنما ضنا بالألفاظ أن يسوقاها عبثا.

وهكذا وصلا إلى الباب وهما صامتان باسمان ينفضان بأكتافهما الندى عن الأغصان.

وكان كل شيء ساكنا مفكرا سعيدا مثلهما.

Bog aan la aqoon