Salah Din Ayyubi
صلاح الدين الأيوبي وعصره
Noocyada
ولقد جرت بمصر حوادث وأراد القائمون بها الانتفاع بالموقف السياسي الذي حولهم، فكانت النتيجة الطبيعية تنافسا بين الدولتين المجاورتين على أيهما تدخل تلك البلاد وتسود فيها، وتانك الدولتان هما: دولة نور الدين ودولة الصليبيين.
ساد على مصر في سنة 1164م/561ه رجل من العرب اسمه شاور، واستبد بأمرها بعد أن قتل العادل رزيك ابن الصالح رزيك الوزير الكبير، وقد نازعه في الأمر أمير عربي آخر من قبيلة لخم من بلاد الصعيد واسمه ضرغام، وكان آخر النضال بين الزعيمين أن هرب شاور يلتمس مساعدة من الخارج على خصمه؛ فذهب إلى نور الدين وعرض عليه شروطا مغرية إذا هو أعانه على استرجاع أمره بمصر، وكان نور الدين يتطلع إلى التدخل في تلك البلاد، فسنحت له تلك الفرصة، وكانت شروط شاور أن يعطي لنور الدين نفقات الحملة وثلث إيراد مصر جزية سنوية. وقد ساعدت الظروف على أن يسرع نور الدين بإجابة شاور إلى ما سأل؛ لأن ضرغام منذ أحس بسعي شاور أخذ هو من جانبه طريقا آخر يزعم فيه سلامته، فأرسل يستعين بالدولة الأخرى - دولة الفرنج بالشام، فلم يتردد نور الدين بعد ذلك بل أرسل جيشا مع شاور وجعل عليه مقدم جيشه أسد الدين شيركوه بن شادي، وجعل معه الشاب الممتاز يوسف ابن أخيه أيوب بن شادي.
الكتاب الثاني: السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي
(1) منشؤه وشبابه
يحيط جو من الإبهام حول نشأة يوسف بن أيوب ونسبه؛ وذلك شأن كل رجل ينبغ من صفوف العامة فيبلغ أقصى ذرى العظمة، وقد حاول بعض من كتبوا عنه أن ينسبوه إلى أسرة عريقة وعرق شريف، ولا يسع الإنسان إلا أن يبتسم عندما يرى أمثال هؤلاء المتحمسين من الكتاب يوصلون نسبه إلى معد بن عدنان بل إلى آدم - عليه السلام.
على أنه لا يغض من قدره أننا لا نستطيع أن نتعدى في نسبته الجد الأول؛ فهو يوسف بن أيوب بن شادي، وليس بعد شادي من الأسماء ما نقدر على التثبت منه.
صورة صلاح الدين الأيوبي (خيالية).
كان أبوه وأهله من قرية «دوين» في شرق أذربيجان، وهم من بطن «الروادية» من قبيلة «الهذانية»، وهي قبيلة كبيرة من قبائل الأكراد. ويظهر أن جده شادي نزح بولديه - أيوب «نجم الدين» وشيركوه «أسد الدين» - إلى بغداد، ثم نزل بتكريت حيث مات شادي، وقد نشأ الأخوان بعد ذلك والتحقا في خدمة متولي الشحنة بالعراق «مجاهد الدين بهروز» الذي كان متوليا من قبل السلطان مسعود بن غياث الدين محمد بن ملك شاه السلجوقي. ثم انتقل نجم الدين أيوب إلى خدمة عماد الدين زنكي صاحب الموصل أول أبطال دول الأسلال الجديدة، وصار حافظ قلعة بعلبك أو «دزدارها»، فلما قتل زنكي انتقل نجم الدين إلى خدمة صاحب دمشق، والتحق أسد الدين أخوه بخدمة نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، وهو إذ ذاك صاحب حلب؛ ورثها حظه من دولة أبيه بعد موته، وكان له أخ ورث نصيبه الموصل وما يليها وهو سيف الدين غازي بن زنكي، وفي أثناء تلك الحوادث ولد لنجم الدين ولد سماه يوسف، ولعل ولادته كانت في ليلة خروج أبيه من تكريت إلى خدمة عماد الدين زنكي، وذلك حوالي 1138 للميلاد/532ه، وقد نشأ في كنف أبيه بدمشق، وظل أبوه هناك إلى أن أوغل نور الدين بفتوحه إلى الجنوب واستولى على دمشق فانضم إلى خدمته، وكان إذ ذاك يوسف قد ترعرع وصار فتى في السادسة عشرة من عمره، فدخل في خدمة نور الدين مع أبيه وعمه، وكانت مخايل النجابة ظاهرة عليه، فكان نور الدين يؤثره ويقربه، ويلوح أن الفتى كان حاد الذكاء له عقل ناقد ، فأدرك ما في طبع سيده من كرم وعلو وشهامة، وجعل يأخذ نفسه بما أعجبه من صفاته.
على أننا لا ننكر أننا لسنا نقدر أن نعرف عن شباب صلاح الدين شيئا كثيرا، ولا غرابة في ذلك؛ فقد كان أحد صغار الملحقين بالجيش، فلم يكن دونه مجال للعمل والظهور إلى جانب الكبار من قواد الجيش وشجعانه، وكان جيش نور الدين في هذا الوقت يحوي جماعة كبيرة من المبرزين الشجعان، وليس يذكر لنا صلاح الدين شيئا عن شبابه إلا أنه كان يترحم عليه ويحن إليه، وذلك أمر طبيعي لكل كبير السن إذا نظر إلى الشيب وعجزه. وأما غير ذلك فلا نسمع السلطان فيما بعد يذكر عن أعماله شيئا في وقت صغره، ويمكن أن نعزو هذا إلى حسن بصره وتواضعه؛ فأكبر الظن أنه يأبى أن يذكر لنفسه شيئا في وقت كان فيه صغيرا بين كبار يجلهم ويعرف لهم فضلهم، وأول ما يذكره التاريخ عن شباب يوسف بن أيوب وقت اشتراكه في الحملة على مصر مع عمه أسد الدين شيركوه.
ولا نملك النفس عن ذكر حقيقة نراها قد تساعد على أن تظهر إلينا صورة ذلك الرجل قريبة من الوضوح؛ وذلك أنه قد كان في شبابه يسيم سرح اللهو حيث يسيم أمثاله من الفتيان؛ فإنه تاب عن الخمر وغير ذلك من اللهو - وهو في مصر - بعد أن حمل عبء الوزارة وصار من رجال الأمر، فخلع عنه ما لا يليق به في مكانته الجديدة، وهل من الغريب ألا يكون الشباب معصوما؟! وهل ينقص من الرجل أنه كان يتذوق اللهو حلوا في جهله وسورة شبابه فإذا هو شعر بالواجب وثقله رمى عن نفسه لهوها وفرغ إلى واجبه يتذوق حلاوة القيام به بنفس الهزة التي كان يشعر بها في لهوه؟! على أنه بقي إلى آخر حياته محتفظا بالميل إلى لذات أخرى لا عار من أن يلذها الرجل؛ فقد كان منذ شبابه مغرما بالصيد: صيد الظباء في الصحراء ، وسماع الأدب الطريف في المجالس الحافلة بالأصدقاء أو بالعلماء وأهل الفضل.
Bog aan la aqoon