وإن صخرا لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قط قبلها ولا بعدها أشعر منها , وقالوا: اسم الخنساء تماضر , ذكر الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن المخزومي (1) عن عبد الرحمن بن عبدالله عن أبيه عن أبي وجرة عن أبيه , قال: حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حرب القادسية , ومعها بنوها: أربعة رجال , فقالت لهم: يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين , والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد , كما إنكم بنو امرأة واحدة , ما خنت أباكم , ولا فضحت خالكم , ولا هجنت نسبكم , ولقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين , واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية , يقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (2)} , فإذا أصبحتم غدا سالمين - إن شاء الله تعالى - فاغدوا على قتال عدوكم مستنصرين [60ظ] فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها , واضطرمت لظى على سياقها , وجللت نارا على أوراقها , فتيمموا وطيسها , وجالدوا رئيسها , عند خميسها (3) , تظفروا بالمغنم والكرامة , في دار الخلد والمقامة , فخرج بنوها قابلين لنصحها , عازمين على قولها , فلما أضاء لهم الصبح , حمل أكبرهم , وأنشأ يقول: [من الرجز]
يا إخوتي إن العجوز الناصحه ... قد نصحت إذ دعتنا البارحه
مقالة ذات بيان واضحه ... فباكروا الحرب الضروس الكالحه
وإنما تلقون عند الصائحه ... من آل ساسان كلابا نابحه
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحه ... وأنتم بين حياة صالحه
أو ميتة تورث غنما رابحه
فتقدم , فقاتل حتى قتل , ثم حمل الثاني , وهو يقول: [من الرجز]
إن العجوز ذات حزم وجلد ... والنظر الأوفق والرأي الأسد
Bogga 209