Safwat Casr
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
Noocyada
وفي يوم 20 فبراير كتب السير إدوارد ملت المعتمد البريطاني بمصر إلى حكومته، يخبرها بأن المراقبة الثنائية أصبحت اسمية فقط، ثم زادت الوزارة الجديدة عدد الجيش ورفعت رواتب رجاله بلا اكتراث بما يصيب الميزانية. فجر كل ذلك إلى اشتداد الخلاف بين الخديوي ونظاره، وتفاقم الخطب حتى كان يظن أن العرابيين يرمون إلى عزل الخديوي، وتنصيب محمود باشا سامي مكانه، كل هذه الأعمال حركت همة الدول الأوربية من جديد.
المرحوم محمود باشا سامي البارودي «رئيس مجلس النظار»
ورأت الحكومة الإنجليزية أن يطلب إلى الباب العالي أن يصدر أمرا إلى مصر يعضد به الخديوي، ويستدعي زعماء الثورة إلى الأستانة للإجابة عن عملهم . فوافقت على ذلك الحكومة الفرنساوية بعد تردد وفي 8 رجب/26 مايو قدم معتمدا إنجلترا وفرنسا مذكرة إلى رئيس مجلس النظار طلبا فيها استقالته من الوزارة، وإبعاد عرابي باشا عن القطر المصري مؤقتا مع حفظ راتبه وألقابه. وأن يقيم عبد العال باشا وعلي فهمي باشا في الأرياف. ولهما أيضا رواتبهما وأوسمتهما. فاستقالت الوزارة ولكن لم يسافر أحد ممن ذكروا في المذكرة.
أما الأسطول الإنجليزي والفرنسي فقد وصلا إلى مياه الإسكندرية حسب الاتفاق، وكان قائد السفن الإنجليزية «السير بوشمب سيمور»، فلما وصل وجد النفوذ كله في المدينة بيد الحزب العسكري، وأن الأحوال في هياج واضطراب، فأخبر دولته بذلك وكانت الوفود من الأعيان والعلماء وغيرهم، تذهب إلى الخديوي يرجونه إرجاع عرابي إلى منصبه فلم يقبل منهم.
المرحوم محمود باشا سامي البارودي رئيس مجلس النظار.
أما الباب العالي فإنه لما بلغه رجاء إنجلترا وفرنسا أراد أن يظهر بمظهر صاحب السيادة في البلاد، وقال: إنه سيرسل سفيرا من قبله لفحص المسألة، وأنه لا داعي لبقاء أساطيلها بالإسكندرية، فلم توافق الدولتان على ذلك ورأت أن مجرد بقائها بالمياه المصرية يكفي لإرهاب الثائرين وإلقاء الرعب في قلوبهم، ودعت إنجلترا وفرنسا الدول الأوربية إلى مؤتمر الأستانة؛ للنظر في المسألة المصرية، ودعي الباب العالي، فلم يرض بإرسال مندوب من قبله اعتقادا أن حل المسألة المصرية من شأنه هو لا من شأن مؤتمر يعقده غيره من الدول. ثم أسرع إلى إرسال المشير مصطفى درويش باشا مبعوثا من قبله إلى مصر؛ لتفقد أحوال العسكرية. ومن الغريب أن الباشا المذكور قال في تقريره إلى الحضرة السلطانية: أن العساكر محافظة على الطاعة، وطلب لضباط الجيش نحو 200 وسام منها الوسام المجيدي من الطبقة الأولى لعرابي نفسه.
ثم اشتد غلو الحزب العسكري وأخذ يجمع الجيوش ويعد العدة، فزاد خوف الأوربيين المقيمين بالبلاد، حتى إن سكان الإسكندرية منهم تأهبوا للدفاع عن أرواحهم عند الحاجة، وبقيت الأحوال نزداد صعوبة واضطرابا حتى جاءت تلك الحادثة المشئومة الشهيرة بحادثة 11 يونيو أو «واقعة الأحد».
وأصل هذه الحادثة أنه في 24 رجب سنة 1299ه/11 يونيو 1882، تشاجر رجل مالطي مع مكاري مصري في الإسكندرية لامتناع المالطي عن إعطاء الأجر الكافي نظير ركوب حمار المكاري. وكان المالطي ثملا بالخمر. فطعن المكاري بمدية فانتصر لكل منهما قوم من أبناء جلدته، فتذمر بعض الرعاع من الوطنيين وأرادوا أن يثأروا من الأوربيين، ولا سيما أن حوادث الحركة العرابية كانت قد أوغرت صدور بعض الفريقين من بعض، وابتدأ الأوربيون يطلقون النيران من نوافذ بيوتهم على كل مار من الوطنيين. فازداد غضب المتجمهرين، وتضاعف الخطأ، ولم يوجد من يزجر الرعاع أو يشرح لهم ضرر فعلتهم مع تمادي الأوربيين المتحصنين في بيوتهم في إطلاق النار، حتى عظم القتال بين الفريقين ونهب كثير من مخازن المدينة. ثم صدرت الأوامر للجند بتفريق المتجمهرين ، فلم يأت الغروب إلا وقد هدأت الأحوال وسكن الاضطراب، وقبضت الحكومة على كثير ممن وقعت عليهم شبهة القيام بهذه الثورة.
وقد لاحظ قائد الأسطول الإنجليزي بمياه الإسكندرية أن عرابي باشا مهتم بزيادة تحصين قلاع الثغر ليضرب منها أسطوله. فطلب القائد الإنجليزي إبطال هذا التحصين فأخبره عرابي أنه ليس بالقلاع أدنى حركة تحصين جديدة، ولكن «سيمور» أبصر بعد ذلك أن الاستعداد في القلاع قائم على قدم وساق، فأعلن قناصل الدول بالإسكندرية بأنه إن لم تسلم له قلاع المدينة في ظرف 24 ساعة، اضطر إلى إطلاق نيران أسطوله عليها، وكان ذاك البلاغ في فجر 10 يوليو فلم يجبه عرابي إلى طلبه، فضربت العمارات الإنجليزية المدينة الساعة السابعة من صباح 22 شعبان/11 يوليو سنة 1882م، وعددها أربع عشرة سفينة بين مدرعة ومدفعية، فجاوبتها قلاع الإسكندرية بعد خمس عشرة طلقة، واستمر تبادل النيران بين الفريقين عشر ساعات انتهى بدك تلك القلاع الضعيفة دكا من غير أن يصيب السفن الإنجليزية أذى يذكر. وفي اليوم التالي تراجعت حامية المدينة إلى الداخل، وعند خروجها من الإسكندرية أمر أحد أمراء الآلايات المدعو سليمان داود بغير علم «عرابي» أن تحرق المدينة، فاشتعلت فيها النيران ونهبها الرعاع، وفي يوم 24 و25 شعبان أنزل الأسطول الإنجليزي بعض الجنود تحتل المدينة، فعاد إليها الأمن، وأخذ الأهلون يرجعون إليها بعد أيام قلائل.
ثم أخذت الجيوش الإنجليزية والهندية تفد إلى الإسكندرية لمحاربة عرابي بقيادة «جراند ولسلي»، وكان عرابي قد عسكر بجهة كفر الدوار على بعد بضعة أميال من الإسكندرية، فلما وجد الإنجليز أن موقعه هناك حصين رأوا أن يدخلوا البلاد من الشرق من جهة قنال السويس، وعلم بذلك عرابي فعزم على ردم القناة؛ كي لا تمر منها السفن الإنجليزية، ولكن المسيو ديلسبس حمله على الكف عن هدم هذا العمل الخطير، وقال: إنه يمنع بحق حياد القناة مرور أي سفن حربية منها. فخدع عرابي بأقواله، ولم يقدر ديلسبس طبعا على إنجاز وعده، ونزلت الجنود الإنجليزية من طريق القناة، فاستعد العرابيون للقائهم بجهة «التل الكبير» وكانت أهالي القطر تمد جيش عرابي بحاجاته طوعا أو كرها، حتى اجتمع له من الخيل والبغال شيء كثير. أما موقعة التل الكبير فكانت في السحر الساعة الرابعة من صباح 29 شعبان سنة 1299ه/13 ديسمبر سنة 1882م، وكان عدد الجيش الإنجليزي فيها 17400 مقاتل، وجيش عرابي نحو 27 ألف جندي، فلتدريب الجنود الإنجليزية وحسن نظامهم انهزم عرابي أمامهم شر هزيمة، ولم تدم الواقعة أكثر من عشرين دقيقة، وفر عرابي نفسه إلى القاهرة وأراد الوقوف للإنجليز في طريق القاهرة، فخذله الناس وانكسرت نفس مساعديه فسار الإنجليز إلى القاهرة فدخلوها بلا مقاومة، وتسلموا القلاع وباقي الثكنات العسكرية في 22 ذي القعدة سنة 1299ه/15 سبتمبر سنة 1882م، وبذلك ابتدأ احتلالهم للقطر المصري فأيدوا العرش الخديوي، وعادت الطمأنينة إلى الأهلين، وقبض على زعماء الثورة وحوكموا بعقوبات صارمة، ولكن أدركهم عفو خديوي كريم باستبدال عقوبة الإعدام بالنفي، فقابلت الأمة هذه المنة بالشكر العظيم.
Bog aan la aqoon