Safwat Casr
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
Noocyada
وفي شهر نوفمبر سنة 1894 جاءه طلب من وزارة المالية، فانحدر إلى القاهرة كارها، وما كاد يلتقي بوزيرها أحمد مظلوم باشا، ووكيلها المستر دوكنس حتى كلماه في قبول منصب إدارة مصلحة التاريع التي هي مسلحة أطيان عموم القطر المصري، وكان بها يومئذ كبير من الإنجليز لم يقو على إدارتها، فاعتذر المترجم وألح ببقائه بعيدا عن المناصب فلم يقبلا ذلك منه، وما زالا به حتى رضي كارها فسلماه من يومه كثيرا من المنشورات والأوامر العالية والقرارات الوزارية، وكلفاه بعمل قانون يكون إليه المرجع في عمل فك الزمام، فقام بعمله حتى أتمه على أحسن حال، وقد أنعم عليه الخديوي عباس باشا بالنيشان العثماني الرابع سنة 1897م، وهو ذاك المسند الخطير الذي ظل فيه إلى سنة 1899م، حيث انتقلت أعمال المساحة إلى عهدة صاحب المساحة الجيولوجية، فانتقل المترجم إلى وزارة المالية في منصب ناظر إدارة أملاك الميري الحرة، فلبث بها إلى أخريات سنة 1899م ثم تعين مديرا لأملاك الميري بمدينة الإسكندرية، وجاءه وهو بها نيشان نجمة الافتخار من منليك ملك ملوك الحبشة في آخر أغسطس سنة 1900، وقد لبث بها إلى أوائل سنة 1903م، ثم انتقل إلى وزارة المالية ثانية بوظيفة ناظر إدارة أملاكها، فكان يرى أن البقاء على هذا النوع من الخدمة معطلا لأشغاله الخصوصية، ومزيدا لمتاعبه فجعل يسعى مع ولاة الأمور حتى وافقوا على تقاعده في آخر سنة 1903م، وتفرغ بعد ذلك إلى التأليف الذي جد فيه، وأيضا لاستثمار أراضيه بمديريتي الجيزة وبني سويف، وبتعضيد المشروعات الخيرية والأدبية، والأخذ بيد أمته إلى طريق الحياة والارتقاء إلى أن وافاه القدر المحتوم، فراح مبكيا على غزارة فضله وعلمه وفائق مجهوداته، وقد ترك الفقيد مكتبة عامرة حوت نفائس الكتب التاريخية، والعلمية، والأدبية، مما يتعذر وجود مثيلاتها بين ظهرانينا، وقد وهبتها أسرة الفقيد العزيز للمتحف القبطي بمصر القديمة؛ لتكون أثرا خالدا جليلا يدوم ناطقا لهذه الأسرة الكريمة، وفوق رأسها الشهم النبيل والأديب الفاضل شفيق بك أكبر أنجال الفقيد، الذي حذى حذوه في عمل الخير بالشكر والثناء أبد الدهر.
الاحتفال بتشييع الجنازة
وقد توفي هذا العالم الجليل والمؤرخ الكبير إلى رحمة ربه في جمادى الأولى سنة 1336ه، واحتفل بتشييع جنازته إذ ذاك باحتفال عظيم سار فيه كل ذي حيثية ومقام كبير في البلاد، كما أقامت له جمعية التوفيق القبطية الكبرى حفلة تأبين، حيث كان الفقيد رئيسا لها ومن كبار العاملين لإحيائها، تبارى فيها الخطباء معددين مناقبه وآثاره الخالدة، التي ملأت صفحات كبيرة من الكتب والمجلات والصحف على اختلاف أحزابها وآرائها.
وقد اعتنى الفقيد عناية كبرى بتربية أولاده النجباء حضرات شفيق بك «الذي ترى صورته وترجمته في غير هذا المكان» ووديع وزكريا تربية عالية، حيث بعث بهم إلى أهم كليات وجامعات الغرب؛ للارتشاف من بحور علومها العالية، حتى إذا ما عادوا إلى وطنهم المفدى أدوا لمواطنيهم الكرام خدما جليلة.
صفاته وأخلاقه
كان رحمه الله دمث الأخلاق، كريم الطباع، محسنا جوادا يعطف على الفقراء والبؤساء، أديبا بكل معنى الأدب، محبوبا، محترم الجانب لدى كل عارفي فضله وكماله، على جانب يذكر من الكفاءة والإدارة وغزارة العلم.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه جنات النعيم.
ترجمة الشهم الأديب شفيق بك ميخائيل شاروبيم
كلمة للمؤرخ
هذا هو الشبل الأثيل، سليل بيت الرفعة والشرف، والمجد ومثال الكمال والجد، الشاب الذي جمع إلى كرم أخلاقه، وتدفق ذكائه، علما وضم إلى عزة نفسه وأصالة رأيه حلما، فهو من صفوة الشبان الذين تتفاخر بفضائلهم مصر، ويتلألأ بدرر علومهم، ومعارفهم هذا العصر، وقد صدق فيه قول الشاعر:
Bog aan la aqoon