290

Safwat Casr

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

Noocyada

حضرة الوطني الصميم النطاسي البارع الدكتور نجيب بك إسكندر أحد زعماء الحركة الوطنية القومية والطبيب المشهور بمصر والعضو بمجلس النواب المنحل عن دائرة شبرا.

مولده ونشأته

حضرة صاحب الترجمة هو النجل الأكبر لحضرة رجل الجد والعمل والإصلاح إسكندر بك مسيحه رئيس إدارة الخزينة العمومية بالمالية سابقا، ومدير إدارة البطريكخانة القبطية الأرثوذكسية حالا وجده لوالده هو مسيحه أفندي حنا من رؤساء الأقلام بالمالية، الذي اتصف بالعطف على الفقراء والبؤساء، وله أياد مشكورة وأعمال مبرورة لمحض عمل الخير، والذي انتقل إلى جوار ربه عام 1888م.

ولد حضرة صاحب الترجمة بالقاهرة في 2 يونيو سنة 1887 فغذاه والده بلبان الفضيلة والاستقامة، وأدخله مدرسة الأقباط الكبرى فتلقى علومه الابتدائية، فكان مثال الجد والذكاء والنشاط حتى أعجب به عموم أساتذته فضلا عن ميل الطلبة إليه؛ ونظرا لتفوقه على باقي زملائه سواء في العلوم أو الإقدام والشجاعة كان يكلف بإلقاء كلمة ترحيب أمام كبار الوافدين لزيارة المدرسة من عظماء القوم، وكثيرا ما منح جوائز مدرسية بصفة خاصة، ورغم حداثة سنه في ذاك الوقت تعلم اللغتين القبطية والحبشية عدا علومه المدرسية الأولية، حيث كان لم يتجاوز سنه الحادية عشرة سنة، وفي ذاك البرهان القوي على فائق ذكائه وسمو مواهبه.

وعند إلغاء الأقسام الفرنساوية من المدارس انتقل إلى مدرسة عابدين الأميرية، وفيها حصل على الشهادة الابتدائية عام 1901، وكان من أوائل الناجحين، ومن ثم دخل المدرسة التوفيقية ومكث بها سنتين، وانتقل منها لمدرسة الأقباط الكبرى فأخذ يتغذى من لبان علومها مشمرا عن ساعد الجد حتى نال الشهادة الثانوية «البكالوريا» عام 1904م بتفوق عظيم أيضا، ثم دخل مدرسة الطب الملكية ومكث بها المدة المقررة للدراسة، وحصل منها على شهادة دبلوم في يناير سنة 1909م، وقد زادت سني الدراسة في ذاك الوقت نظرا لاعتماد امتحانات هذه المدرسة أمام جامعة لوندرة، وكانت علاقاته مع زملائه الطلبة حسنه للغاية فكان محبوبا من الجميع وكذا من عموم حضرات الأساتذة؛ لما آنسوا فيه من سمو الأخلاق والنبل والذكاء المتوقد، وقد حاز على هذه الشهادات المدرسية بمصر وهو حائز للنهاية الصغرى للسن المقرر أمام وزارة المعارف.

وفي أثناء وجوده طالبا بمدرسة الطب حصل اعتصاب المدارس العليا، الذي تداخل فيه اللورد كرومر عام 1906 وكان حضرة صاحب الترجمة ضمن الطلبة الأربعة الذين انتدبوا عن المدرسة في لجنة المدارس العامة للنظر في أمر هذا الاعتصاب، وكان أهم طلباته رفع ظلم وقع على بعض الطلبة في مدرسة الحقوق، وهذه تعتبر أول مرة ظهر فيها بين الجمهور المصري جماعة متضامنة تطالب بحقوقها معتزة بكرامتها، وقد قام صاحب الترجمة مع بعض زملائه أثناء وجوده في هذه المدرسة بتأليف جمعية قبطية للحض على التمسك بأهداب الفضيلة، وصرف شباب مصر عن ورود القهاوي وإشغال بالهم فيما لا يفيد، وكانت هذه الجمعية مكونة من طائفة من ذوي العائلات العريقة في الشرف، فقامت بإلقاء محاضرات قيمة من كبار رجال العلم والفضل في مختلف الأندية والمجتمعات، نذكر منها خطبة شيقة لحضرة العالم المدقق صاحب السعادة أحمد زكي باشا سكرتير مجلس الوزراء سابقا موضوعها: «مصريون قبل كل شيء» وهي حركة كان المقصود منها إيجاد روح الوفاق والوئام بين العنصرين المسلم والقبطي، وقد كان حضرة المترجم له رئيسا لهذه الجمعية لحين سفره إلى أوربا للتخصص في علم الأمراض الباطنية، ولم تدم حياة هذه الجمعية المباركة طويلا؛ نظرا لتفرق أكثر أعضائها في جهات مختلفة.

وقبل سفره إلى أوربا عين بوظيفة طبيب باسبتالية الأمراض العقلية حبا منه في درس علم البيكولوجيا، وقد تعلق بهذا العلم بعد أن انتظم في عضوية الجمعيات القبطية المهتمة بالشؤون الطائفية، ولكنه لم يلبث في هذه الوظيفة زمنا طويلا عندما تحقق له من أن مستقبل المصريين في سلك الوظائف الحكومية مقفول خصوصا للموظفين الذين يحافظون على كرامتهم متمسكين بشخصيتهم، معلنين أفكارهم بكل صراحة، وهو مبدأ حضرة صاحب الترجمة الذي نشأ عليه ونكل به من أجله، وله مع مدير مدرسة الطب الكرومري الدكتور كيتنج جملة وقائع أبى فيها النزول عن كرامته قيد شعرة، وقد كان أثناء وجوده باسبتالية الأمراض العقلية مثال الكفاءة الإدارية المتناهية، وقد اعترف له بذلك الموظفون الإنجليز أنفسهم، وقد كتب له الدكتور شاندويث من مديري الصحة سابقا يخبره بأن الدكتور وارتوك أخبره في رسالة بأنه يعترف بما عليه الدكتور نجيب إسكندر من الصفات العالية والكفاءة الصحيحة، وفوق ذلك كان محبوبا جدا من عموم الموظفين المصريين، وكذا من خدمة المستشفى وقد ظل محافظا على كرامته الشخصية ضاربا بوشايات الواشين عرض الحائط، وقد كان يترفع من أن ينقل أية وشاية في حق الغير رغما من حض بعض الإنجليز له على ذلك من طريق غير مباشر، فترك هذه الوظيفة ورحل إلى الأقطار الأوربية طالبا الاختصاص في علم الأمراض الباطنية، فقضى في تلك الربوع الحافلة بينابيع العلوم والمعارف ثلاث سنوات أي: عام 1910 و1911 و1912م وكان يشتغل في تحصيل علومه آناء الليل وأطراف النهار، وحصل في أثنائها على شهادة صحة وأمراض بالبلاد الحارة من جامعة باريس، وانتخب عضوا في الجمعية الملوكية البريطانية لصحة وأمراض البلاد الحارة، وتخصص في العلوم البكتريولوجية من كلية باستور بباريس وعلوم الأمراض الجلدية من جامعة فينا، ثم قفل راجعا بعد ذلك إلى مصر في أواخر سنة 1912 ميلادية، فآنس فيه الدكتور الأستاذ بيذ مدير المعاهد الفنية بمصلحة الصحة في ذاك الوقت حسن إلمامه بالمباحث العلمية الطبية، فعرض عليه تعيينه بوظيفة بكتريولوجي، وفعلا أقر مجلس الوزراء هذا التعيين في وظيفة مربوطها من 25-35 جنيهافي الشهر، وقد أنشئت هذه الوظيفة خصيصا له، وافتتح في الوقت ذاته عيادة خصوصية نالت شهرة فائقة؛ ولأن خبرته القصيرة الماضية في الوظائف الحكومية، جعلته أن لا يعلق مستقبله على وجوده في تلك الوظائف الحكومية بالنسبة لتسيطر الإدارة الإنجليزية فيها.

مجهوداته الصادقة نحو بلاده

وعلى أثر هدنة سنة 1918م جمع زملاءه وبعض الإخوان المصريين وتشاوروا في حالة البلاد السياسية، فقر قرارهم على وجوب انتداب وفد لمؤتمر فرساي، وعلى أثر ذلك، علموا فكرة تأليف الوفد برئاسة حضرة صاحب الدولة الرئيس الجليل المحبوب سعد باشا زغلول، فذهب حضرة صاحب الترجمة مع إخوانه لبيت الأمة «وهو منزل دولة الرئيس الذي خصصه لعقد اجتماعات الوفد المصري فيه»، موكلين الوفد المصري في العمل على استقلال البلاد، ومن ذلك الوقت بصفة خاصة وهو يشتغل في المسألة المصرية مرتبطا ارتباطا وثيقا مع الخطة المثلى التي سار عليها الوفد المصري، وقد ناله في سبيل ذلك كل تنكيل وعذاب واضطهاد من السلطة الإنجليزية، ومن الهيئات الرجعية في مصر خصوصا في عهد وزارتي عدلي يكن باشا وعبد الخالق ثروت باشا، حيث منع من الترقية وأحيل على مجلس تأديب؛ لأنه كان من أعضاء لجنة الموظفين التي قامت بتكريم الزعيم الجليل رغم إرادة الوزارة العدلية، وهو أيضا أحد الذين رفضوا بشمم وإباء كل الطرق التي قام بها عدلي باشا أو ثروت باشا بإزائه؛ لكي يمتنع عن مناوأة وزارتيهما علنا، وقد كان نائبا عن مصلحة الصحة العمومية والأطباء في تمثيلها في لجنة الموظفين العليا، وكان فيها مثال الجرأة والإقدام والشجاعة فيما كان يبديه من الآراء. وقد بلغ صدق شعوره السياسي إلى درجة أن أوفده مدير عام مصلحة الصحة؛ لتهدئة خواطر عمال الكنس والرش الذين كان يخشى من استمرار إضرابهم خوفا على حالة البلاد الصحية، وقد ذهب إليهم فعلا وخطب فأعلنهم طبقا لقرار لجنة الموظفين العليا بأن الإضراب العام لا يتناول أمثالهم محافظة على صحة الأهالي، هذا وقد ألقت السلطة العسكرية القبض عليه بعد أن فتش منزله، واعتقلته في القلعة وقصر النيل وذلك في صيف عام 1922م، حيث مكث مدة ثلاثة شهور تقريبا واحتمل هذا الاعتقال من أوله إلى آخره بكل شجاعة وثبات، وكان محافظا على كرامته الشخصية بإزاء الضباط والعساكر الإنجليز فكان موضع احترامهم الصحيح، وقد كان حضرة صاحب الترجمة ضمن الأعضاء الثمانية، الذين أشار دولة الرئيس الجليل سعد زغلول باشا بأن يكونوا هيئة الوفد المصري بعد نفيه وزملائه في أوائل عام 1921م إلى سيشل، وقد ظل مدة الحركة الوطنية وهو مثال الشجاعة محافظا على شرف مبدئه مهما قاسى في هذا السبيل من الآلام.

خدماته الصادقة نحو مهنته الطبية

Bog aan la aqoon