184

Safwat Casr

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

Noocyada

الأول:

أن يتفرغ لأعماله الخاصة ويشرف على أراضيه وضياعه فينميها، كما يعمل أبناء هذه الطبقة الثرية، وله من عمله وتربيته ما يضمن نجاحه في هذا الميدان.

الثاني:

أن ينخرط في سلك الوظائف فيخدم بلاده بالطريق المباشر.

وازن بين الأمرين ولكنه أمام المصلحة العامة وأمام الفريضة الوطنية لم يتردد في أن يسلك الطريق الثاني، وهكذا دخل خدمة الحكومة معاونا للضبط بمديرية الجيزة فتوسم فيه رؤساؤه الكفاءة والإخلاص في العمل، ولم يلبث إلا قليلا حتى رقي مأمورا للضبط بمديرية الدقهلية، وكان سعادته من أكبر عوامل توطيد الأمن في تلك المديرية العظيمة، وقد كوفئ بترقيته مأمورا لمركز ميت غمر وهو ذلك المركز الهام فكان عند ظن ولاة الأمور به، إذ نهض به نهضة كبيرة وأنشأ بعاصمته مجلسا مختلطا ومنتزهات عامة، حتى أصبحت مدينة ميت غمر أرقى في العمران والمدنية من عواصم بعض المديريات، ولما كانت سنة الرقي تقضي مكافأة العامل المجد المخلص؛ لذلك كان من الطبعي أن يرقى صاحب هذه الترجمة إلى وظيفة وكيل مديرية، وكان لمديرية الفيوم الحظ الأول غير أن الفيوميين ما كادوا ينتهون من الاحتفاء بوكيلهم حتى فاجأهم خبر نقله إلى مديرية الغربية، فودعوه بمثل ما قابلوه من الحفاوة والتكريم.

وقد كان نصيب مديريتي الغربية والبحيرة أكبر عندما اشتغل بكلتيهما وكيلا للمديرية، ولم يلبث فيهما طويلا حتى صدر النطق الكريم بترقيته مديرا لأسوان سنة 1916 فكان ذلك بشير خير وبركة لأهل تلك المديرية، فإنه عني بشؤونها وسهر على مصلحتها حتى إن ساكن الجنان المغفور له السلطان حسين الأول أهداه ساعته الخاصة عند زيارته لهذا الإقليم سنة 1916 رمزا لرضاء عظمته التام، وتقديرا لكفاءته الممتازة ثم نقل مديرا لبني سويف، فتابع السير على خطته القومية وأسرع إلى شد أزر التعليم بتلك المديرية التي لم تكن نالت حظها منه فأنشأ بها عددا كبيرا من المدارس الأولية توطئة لنشر التعليم الأولي بأرجائها، وإعداد مدرستي ببا والواسطى الابتدائيتين بعد أن كانتا حولتا إلى مدرستين أوليتين، ثم عمد إلى إصلاح عاصمة المديرية فأنشأ بها الشوارع العظيمة وناديا للرياضة البدنية، وهكذا أوجد للموظفين وغيرهم من ذوي الحيثية مكانا رحبا حيث يتعارفون ويتريضون، وهي أجل خدمة لهذه الطبقة التي تتوق إلى استثمار أوقات فراغها، وقد قوبلت هذه المآثر بمزيد الثناء وخالص الولاء.

ثم رقي سعادته مديرا لقنا وسرعان ما تحقق كثير من أمانيها على يديه، فقد كانت الشؤون الصحية تتطلب عناية خاصة، فجمع التبرعات من الأعيان والمحسنين لإنشاء مستشفى مناسب للرمد في عاصمة المديرية، التي كانت الوحيدة المحرومة من هذا المشروع النافع، وفعلا وضع الحجر الأساسي بيد حضرة صاحب الجلالة الملك مولانا فؤاد الأول أثناء سياحته بالصعيد في شهر يناير سنة 1921، وأنشأ أيضا مستشفى للأمراض العفنة في قنا وآخر في الأقصر، فخففت كثيرا من الويلات والكروب، ثم وجه عنايته المشهورة للتعليم فأنشأ مدرستين ابتدائيتين إحداهما في دشنه، والأخرى في قوص عدا المدارس الأولية الكثيرة في البلاد الأخرى، وسهر على الأمن العام ونجح في استتبابه أيما نجاح، يدل على ذلك نقص الجنايات في عهده نقصا محسا، وإليه يرجع الفضل الأكبر في الصلح التاريخي الذي عمل بين قبيلتي الأشراف والحميدات، وقد كان الجفاء بينهما متأصلا والأمن العام مهددا، ولكن حكمته الكبيرة ذللت الصعب العسر وحقنت الدماء واستبدلت الجفاء بالصفاء والشقاق بالوفاء. وقد أتت الصحف وقت ذاك على تاريخ هذا النزاع العظيم ومساعي سعادة المدير المشكورة، فنكتفي بما أشرنا إليه ثم صدر الأمر العالي بترقية سعادته مديرا للمنوفية في مايو سنة 1921 والإنعام عليه برتبة الباشوية الرفيعة، فاستلم زمام هذه المديرية العظيمة في وقت عصيب، ولكن بالحكمة وطول الأناة لم يعد الأمور إلى مجراها الطبيعي فقط، بل ونهض بالمديرية نهضة كبيرة في كل مرافقها، وكان للتعليم نصيب وافر من عنايته ووقته، فأصبح لمجلس المديرية 61 مدرسة أولية و6 مدارس ابتدائية للبنين بعد أن كان له مدرسة أولية إدارية فقط، ومدرستان ابتدائيتان، هذا إلى معاهد التعليم الليلية للعمال والأقسام التجارية الليلية التي أنشئت في عهده، وعاد نفعها على كثير من الرجال والشبان الذين حرموا من نعمة التعليم في صغرهم.

ولقد شعرت جمعية المساعي المشكورة بحاجتها إلى إدارته النزيهة، فقررت إسناد رياستها إلى سعادته والتمست منه القبول، فلبى الطلب خدمة للتعليم والمصلحة العامة وكانت باكورة أعماله استثمار ضريبة ال5٪ التي أصدر ولي النعم أمره الكريم لمجلس مديرية المنوفية بتحصيلها، فاشترى ألف فدان من أجور أطيان الحكومة بمركز السلطة بثمن منخفض وجعلها وقفا على هذه الجمعية، ثم وضع لها القوانين والأنظمة الحديثة المحكمة، ونظم ماليتها وسجلاتها، وراقب سير مدارسها مراقبة دقيقة فارتقت وحسنت سمعتها وكثر الإقبال عليها، وجاءت نتائجها الباهرة في الامتحانات الرسمية ناطقة بفضله ومآثره.

كذلك كان لعاصمة المديرية حظ كبير من همته واهتمامه، فقد حقق رغبات الأهالي التي كانوا يطمحون إليها من قديم فأتم مشروع مياه الشرب، وأوشك أن يتم مشروع إنارة البلدة بالكهرباء ورصف شوارعها، وهكذا تقدمت مدينة شبين الكوم إلى الأمام بعد جهود سعادة مديرها العامل، بعد أن مكثت سنين عدة متأخرة في مدنيتها عن كثير من عواصم المديريات كذلك أنشأ مستشفى متنقلا لعلاج المصابين «بالبلهارسيا والأنكلستوما»، يؤمه أكثر من مائة وخمسين مصابا يوميا للعلاج مجانا، فخفف ذلك من حدة هذه الأمراض الفتاكة التي كان انتشارها مفزعا في المديرية، وهذه منة أخرى لسعادة المدير الجليل طوق بها جيد آلاف من الفقراء.

أما عناية سعادته بالأمن العام فعظيمة، وإن في نقص الحوادث الجنائية نقصا بينا، واستتباب الأمن في عهده لدليل على سهر هذا الحاكم على مصلحة المديرية وحسن إدارته لها.

Bog aan la aqoon