فقال طلحة: احتكم، فقال: برذونك الورد وغلامك الخباز وقصرك بزرنج وعشرة آلاف درهم، فقال له طلحة: أف لك لم تسلني على قدري، إنما سألتني قدرك وقدر بأهله فلو سألتني كل قصر لي، وعبد لي، ودابة لي، لأعطيتك، ثم أمر له بما سأل، ولم يزده شيئًا، ثم قال طلحة: تالله ما رأيت مسألة محكم ألأم منها.
روي الدارقطني بإسناده في الأفراد عن النبي ﷺ أنه قال: اقبلوا الكرامة، وأفضل الكرامة الطيب، أخفه محملًا، وأطيبه رائحة".
لقد أجاد، وأحسن عبيد بن أيوب حيث قال: [الطويل]
وأوَّلُ خبثِ المالِ خبثُ ترابة ... وأوَّلُ لؤمِ المرءِ لؤمُ الحوائلِ
وكذا قول بشار بن براد: [الطويل]
وبدءُ فسادِ الطِّفلِ منْ عرقِ أمِّهِ ... وحاضنةٍ تغدوهُ بالذلِّ والملقِ
قيل: إن زياد بن ظبيان، قال لابنه عبيد الله، وهو غلام، وأبوه لما به حين نزل به الموت: ألا أوصي بك الأمير زياد؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: لأنه إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت. فالحي هو الميت. ولما وفد عمر بن سعيد بعد وفاة أبيه على معاوية بن أبي سفيان، قال له معاوية: إلى من أوصى بك أبوك؟.
فقال: إن أبي أوصى إلي، ولم يوصي لي، قال: فما كانت وصيته إليك؟ قال: أوصى إلي أن أقضي دينه، ولا يفقد إخوانه منه إلا عينه، فقال معاوية: إن ابن سعيد هو الأشدق. ودخل المعتصم إلى دار خاقان بن أبي مزاحم عائدًا له، فرأى ابنه، وهو صبي فقال له: أيما أحسن دار أمير المؤمنين أم دار أبيك؟ فقال: ما دمت في دار أبي فهي أحسن.
قال الحجاج لمعلم أولاده: علمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم إن يبلغوا يجدوا من يكتب، ولا يجدوا من يسبح. وهذا أخذه من كتاب كتبه ﵇ إلى سائر الأمصار: علموا أولادكم السباحة، والفروسية ورووهم ما سار من المثل وحسن السير، ما أحسن، قول إبراهيم بن العباس الصولي شعر: [الوافر]
ولكنَّ الكريمَ أبا هشامٍ ... وفيُّ العهدِ مأمونُ المغيبِ
غنيٌّ عنكَ ما استغننتَ عنهُ ... وطلاَّعٌ إليكَ مع الخطوبِ
قال الأصمعي: لما أعاد النابغة إلى النعمان بعد أن لحق بآل جفنة، أذن له في الدخول عليه، فلما انتصب بين يديه، حياه بتحية الملك، ثم قال: أبيت اللعن أي صاحب لخم، وأنت سائس الحسب وغرة الأدب، واللات لأمسك أسمن من يومه، ولعبدك أكرم من قومه، ولقفاك أحسن من وجهه، وليسارك أسمح من يمينه، ولوعدك أنجح من رفده، ولهزلك أصوب من جده، ولنفسك أمنع من جنده، ولاسمك أشهر من قدره، وليومك أشرف من دهرك، ولفترك أبسط من شبره، ثم قال: [البسيط]
أخلاقُ مجدٍ تجلَّتْ ما لها مثلُ ... في الجودِ والنَّاس بينَ العلمِ، والحضرِ
متوَّجٌ بالمعالي فوقَ مفرقهِ ... وفي الرَّدى ضيغمٌ في صورةِ القمرِ
قال: فتهلل بالنعمان السؤدد، ثم أمر به فحشى فمه بالدرر، ثم قال: بمثل هذا يمدح الملوك، قيل المال يغطي عيوبك، ويزين أمرك، قال: جبريل ﵇: قال الله تعالى: (إن هذا الدين ارتضيته لنفسي، ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما استطعتم) .
وقال ﵇: عن من موجبات المغفرة يبذل الطعام وإفشاء السلام، وحسن الكلام. وقال ﵇: الرزق إلى مطعم الطعام أسرع من السكين إلى سنام البعير، وفي لفظ إلى ذروة البعير، وأن الله ليباهي بمطعم الطعام الملائكة.
وروى ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: "إن لله عبادًا يخصهم بالنعم لمنافع العباد، فمن بخل بتلك المنافع نقلها الله إلى غيره".
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ أنه قال: "إن الله جعل للمعروف وجوهًا من خلقه، وحبب إليهم فعاله، ووجه طلاب المعروف، ويسر عليهم، كما يسر الغيث إلى البلدة المجدبة فيحييها، ويحيي بها أهلها".
وروي أنه أتى النبي ﵇ بأسرى [بني] العنبر فأمر بقتلهم، وأفرد منهم رجلًا، فقام علي ﵇، فقال: يا رسول الله، الرب واحد، والدين واحد، والذنب واحد، [١٦]، فما بال هذا من بينهم؟ فقال: "نزل علي جبريل، فقال: اقتل هؤلاء واترك هذا، فإن الله شكر له سخاء فيه".
قال علي ﵇: إذا أقبلت الدنيا فانفق فإنها لا تغني، وإذا أدبرت فانفق فإنها لا تبقى، وأنشد: [البسيط]
1 / 8