شرعتَ لنا دينَ الهدى بعدَ جودنا ... عنِ الحقِّ لمَّا أصبحَ الدينُ مظلما
ونوَّرتَ بالبرهانِ أمرًا مدمَّسا ... وأطفأتَ بالبرهانِ نارًا تضرّما
فمنْ مبلغٍ عنِّي النبيّ محمَّدًا ... وكلُّ امرئٍ يجزى بما كان قدَّما
أقمتَ سبيلَ الحقِّ بعدَ اعوجاجهِ ... وكان قديمًا ركنهُ قد يهدَّما
تعالى علوًَّا فوقَ عرشِ إلهنا ... وكانَ مكانُ اللهِ أعلاَ، وأعظما
فقال، ويحك يا عدي من الباب منهم؟ قال: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال أليس هو الذي يقول:
ثمَّ نبَّهنها فقامت كعابًا ... طفلةً ما تبيِّنُ رجعَ الكلامِ
ساعةً ثم أنَّها بعدَ قالت ... ويلتا قدْ عجلتَ يا ابنَ الكرامِ
أعلى غيرِ موعدٍ جئتَ تسري ... تتخطَّى إلى رؤوسِ النّيامِ
ما تجشَّمتُ ما ترينَ من الأمرِ ... ولا جئتُ طارقَ الخصامِ
لو كان عدو الله إذا فجر كتم على نفسه لا يدخل والله علي، فمن بالباب سواه قال همام بن غالب الفرزدق، قال: أو ليس هو الذي يقول: [الطويل]
هما دلّيانّي من ثمانين قامةٍ ... كما انقضَّ باز أفقم الرأسِ كاسرةْ
فلمَّا استوت رجلايَ في الأرضِ ... أخيُّ يرجى أم قتيلُ نماذرة؟
لا يطأ، والله بساطي، فمن بالباب سواه؟ قال الأخطل: قال يا عدي هو الذي يقول: [الوافر]
ولستُ بصائمٍ رمضانَ طوعًا ... ولستُ بآكلٍ لحمَ الأضاحي
ولستُ بزاجرٍ عيسًا بكورًا ... إلى بطحاءَ مكةَ للنَّجاحِ
ولستُ بزائرٍ بيتًا بعيدًا ... بمكَّةَ أبتغي فيها صلاحي
ولكنني سأشربها شمولًا ... وأسجدُ عندَ منبلجِ الصَّباحِ
والله لا يدخل علي، وهو كافر أبدًا. فهل بالباب سوى من ذكرت أحد؟ قال: نعم الأحوص، قال أو ليس هو الذي يقول: [المنسرح]
اللهُ بيني وبينَ سيّدها ... يفرُّ منِّي بها، وأتبعها
عذب عليه، فما هو بدون من ذكرت، فمن هنا أيضا؟ فقال: جميل بن معمر، قال: يا عدي هو الذي يقول: [الطويل]
ألا ليتنا نحيا جميعًا، وإن أمتْ ... يوافقُ في الموت ضريحي ضريحها
فما أنا في طولِ الحياةِ براغبٍ ... إذا قيل قد سوَّى عليها صفيحها
فلو كان عدوًا لله تمني لقاءها في الدنيا ليعمل صالحًا بعد ذلك، فلا، والله لا يدخل علي أبدا فهل سوى من ذكرت أحد؟ قال: نعم جرير بن عطية أما إنه القائل:
طرقتكِ صائدةُ القلوبِ وليسَ ذا ... وقتُ الزّيارةِ فارجعي بسلامِ
فإن كان، ولابد فهو فائذن لجرير، فدخل عليه، وهو يقول: [الكامل]
إن الذي بعث النبي محمدًا ... جعل الخلافة في الإمام العادل
وسعَ الخلائقَ عدلهُ، ووقارهُ ... حتَّى ارعوى، وأقامَ ميلَ المائلِ
إني لأرجو منكَ برًَّا عاجلًا ... والنفسُ مولعةٌ بحبِّ العاجلِ
فلما مثل بين يديه قال: ويحك يا جرير اتق الله، ولا تقل إلا حقا فأنشأ يقول: [البسيط]
أأذكرُ الحمدَ والبلوى التي نزلتْ ... أم قد كفاكَ الّذي بلغتَ من خبري
كمْ باليمامةِ من شعثاءَ أرملةٍ ... ومن يتيمٍ ضعيفِ الصوتِ والبصرِ
ممَّن بعدلكَ يكفي فقد والده ... كالفرخِ في العشِّ لم ينهض ولم يطرِي
يدعوكَ دعوةَ ملهوفٍ كأنَّ بهِ ... خيلًا منَ الجنِّ أو مسًّا منَ البشرِ
خليفةَ اللهِ ماذا تنظروننا ... لسنا إليكمُ، ولا في دارِ منتظرِ
مازلتُ أجدكَ في همٍ يؤرقني ... قد طالَ في الحيِّ إصعادي ومنحدري
لا ينفعُ الحاضرُ المحمودُ بادينا ... ولا يعودُ لنا بادٍ على حضري
إنا لنرجو إذا ما الغيثُ أخلفنا ... منَ الخليفةِ ما نرجو منَ المطرِ
نالَ الخلافةَ، إذ كانت على قدرٍ ... كما أتي ربّهُ موسى على قدرِ
هذي الأراملُ قد قضيتَ حاجتهم ... فمن لحاجةِ هذا الأرملِ الذّكرِ
الخيرُ ما دمتَ حيًَّا لا يفارقنا ... بوركتَ يا عمرَ الخيرات يا عمرِ
1 / 14