ذمَّ أعرابي رجلًا فقال: صغِّره في عيني كبّر الدّنيا في عينيه، وقال بعض الزهّاد للمأمون: إنّ الله لم يرض لك أن يجعل أحدًا فوقك، فلا ترض أن يكون شكر أحد فوق شكرك.
قال المنصور لمسلم بن قتيبة: ما ترى في أبي مسلم؟ يعني صاحب الدولة فقرأ، (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) [الأنبياء: ٢٢] فقال له: حسبك.
قيل لبعض الحكماء: من أحق بالرحمة؟ قال: رجلان عاقل بلي بجاهل وكرين بلي بلئيم، قال معاوية: لقد كنت ألقى الرجل من العرب، أعلم أن في قلبه عليّ ضغنًا فيثوب إليّ منه، بقدر ما يجد في نفسه، فلا يزال يوسعني شتمًا، وأوسعه حلمًا، حتى يرجع لي صديقًا، فأستنجده فينجدني.
قال بعض الأدباء: الأيادي ثلاثة: يدٌ بيضاء، وهي الابتداء بالنعمة، ويدٌ خضراء، وهي المكافئة على النعمة، ويدٌ سوداء، وهي المنُّ بالنعمة.
قال ابن عباس ﵁: المعروف أوثق الحصون، وأفضل الكنوز، وأزكى الزروع، وأرشد الأمور غير أنه لا يصلح إلا بثلاث، قيل ما هي؟ قال: تعجيله، وتقصيره، وستره، فإنك إذا عجّلته، فقد هنّأته، وإذا صغّرته، فقد عظّمته، وإذا سترته تممته، يقال: إنّ من سمع الفتى الطيب، فلم يطرب فهو عديم حسٍّ، أو سقيم نفسٍ.
قال عمر بن هارون الصوفي: سمعت رجلًا سأل ابن عيينة يا أبا محمد أريد أن أتزوج امرأة. فقال: إيّاك، والجمال الغابر، وعليك بالأوسط فإن الشاعر يقول: [البسيط]
وليسَ منْ روضةٍ خضراءَ مونقةٍ ... إلاَّ وفيها لعمريْ أثرٌ مأكولُ
وقال جعفر بن محمد الصادق ﵇: إذا استرذل الله عبدًا أحرمه الأدب، وقال: ما وهب الله لامرئٍ هبة من عقله، ومن أدبه، هما حياة الفتى فإن فقدا ففقده للحياة التوبة.
قدّم أسرى إلى الحجاج فأمر بقتلهم، فقام رجلٌ منهم فقال: يا حجّاج لئن كنا أسأنا في الذنب، فما أحسنت في العفو، فقال الحجّاج: آن لهذه الجيف، أما كان فيهم أحد يحسن أن يتكلم بمثل هذا، ثم أمسك عن القتل، وأطلقه لبعض الشعراء: [الطويل]
يذكِّرُ نيلُ الخيرِ والشَّرِ والنَّدى ... وقولُ الخنا والعلمِ والحلمِ والجهلِ
فألقاكَ في مذمومها متنزِّهًا ... وألقاكَ في محمودهَا ولكَ الفضلُ
يقال المظلوم حسن الظن بالأيام، والظالم وجل القلب بالانتقام، لا خير في وعد مبسوط وإنجازٍ مربوط. قيل لما قدم عمر الشام تلقاه معاوية في جيشٍ عظيم، فلما دنا منه قال: أنت يا معاوية صاحب هذا الجيش، والموكب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين قال: مهما يبلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك، فقال: مهما يبلغ من ذلك فقال: لمَ تفعل هذا؟ قال: نحن بأرض جواسيس العدو فيها كثير، فيجب أن نظهر من عزّ السلطان ما نرهبهم به، وإن نهيتني انتهيت، قال عمر: ما أسألك عن شيء يا معاوية ألا تركتني في مثل رواحب الأصابع فإن كان ما قلت حقًا إنه لرأي أريب، وإن كان باطلًا إنه لخديعة أديت، قال فمرني بأمرك يا أمير المؤمنين.
قال: لا آمرك، ولا أنهاك، فقال رجلٌ ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته، فقال: لو لم تحسن موارده ومصادره ما جشمناه ما حشمناه، وتكلم المعافى يومًا في مجلس أبي تمام الزيني فأحسن، فقال أبو تمام: هذا حديث كماء المزن، وافقه الصّادي، أنت، والله، كما قال الشاعر: [البسيط]
إنْ قالَ بمَ يهوي جميعهُمْ ... وإنْ تكلَّمَ يومًا ساختِ الكلمُ
قال المعافى: أيّها السيّد حصرت عليّ الواسع من الكلام على هذا التفضيل، إني لا أطمع في لفظ ومعنى يفيان بقدرك، وإذا كان الانتهاء بعد الكدّ إلى الفخ، كان الابتداء به أقرب إلى العذر، وما أقول فيك، والنبوة أصلك، والخلافة فرعك، والعلم ديدنك، والحلم طبعك، والعالم على ما أقول شهودك.
أبقانا الله لك خدمًا، كما جعلك لنا علمًا، تناظر شريف بنفسه وشريف بنسبه، فقال له: الشريف بنفسه أنت آخر شرف وخاتمه، وأنا أول شرف وفاتحته، وتناظر آخران في هذا المعنى، فقال أحدهما: شرفك إليك ينتهي وشرفي مني يبتدئ لبعضهم:
بهمُ مثلُ ما بالنَّاسِ لكنَّ بردهمُ ... حياءٌ وعفافٌ عن دناةِ المآكلِ
إذا الجذبُ أنسى العفَّةَ النَّاس أدنيةً ... وحامتْ عل الأنسابِ بكرُ بنُ وائلِ
1 / 12