قال المأمون: إساءة المحسن أن يمنعك جدواه، وإحسان المسيء أن يكفّ عنك أذاه. قال: جلس قومٌ من سروات أهل الكوفة بكباسة الكوفة فتذاكروا السؤدد بينهم، فقال عبد العزيز بن مروان: أمّا أنا فمحدّثكم عن نفسي من غير تزكية لها، إذا الرجل أمكنني من نفسه، حتى أصنع معروفي عنده فيده عندي قبل يدي عنده، وإذا الرجل ضافني من خوف، فلم أبذل دمي دون دمه، فقد قصرت بحسبي، ولو أنّ أهل البخل لم يدخل عليهم من بخلهم إلاّ سوء ظنهم بربهم، في الخلف لكان عظيمًا.
ذكر أنّ طاهر بن الحسين كتب إلى المأمون يسأله من المال وغيره، مما يحتاج إليه أشياء جليلة القدر، فكتب إليه أحمد بن يوسف، عن الحسين بن منهل، وكان كاتبه: أما بعد، فإن أمير المؤمنين يكره لك أن تنتهي من السؤال لأحدٍ لا يليه إلا الردّ، والسلم.
دخل شبّة بن عقال على المنصور، فقال له: مالي أراك؟، فقال شبّة: والله يا أمير المؤمنين لأغيب عنك بشوقٍ، وألقاك بشوقٍ. فقال: لم تسألنا حوائجك، وقد عرفت مكانك، فقال: والله لا أرهب محلك، ولا أغتنم مالك، وإنّ عطاءك لشرف، وإنّ سؤالك لزين، وما بامرئْ بذل وجهه لك من نقصٍ، ولا شينٍ، فالتفت المنصور إلى ولده المهدي وغيره، فقال: التقطوا هذا الدّر، والله لهو أحسن منه.
يقال إنّ أول من اتخذ الخيش المنصور، عمله له أبو أيوب الخوزي، فقال له المنصور: لو عملت الثياب لحملت من لماء أكثر، وكانت أبرد، فاتخذ الخيش واتخذ الناس بعده، كتب إبراهيم ابن العباس إلى محمد بن عبد الملك ابن الزيات، وقد حبسه كتابًا قال في آخره: [الطويل]
أبا جعفرٍ جفَّ حفظهُ بعدَ رفعةٍ ... وقصِّر قليلاَ عن مدى غلوائكَا
لئن كانَ هذا الدَّهرُ يومًا حويتهُ ... فإنَّ رجائي في غدٍ كرجائكَا
ثم كتب في آخره أيّها الوزير: كان لي فيك أملان هما لك، والآخر بك، فأما الذي لك، فقد بلغته، وأما الأمل بك فأرجو أن يحققه الله، ويوشك به البقاء، كان يقال من أمّل رجلًا هابه، ومن قصّر عن شيء عابه، قيل لخالد بن صفوان: أي الإخوان أوجب عليك؟ قال: من سدّد خللي، وغفر زللي، وقبل عللي.
قيل للعتابي: ما يمنعك من النساء؟ فقال: مكابدة العفّة أيسر من الاحتيال لمصلحة العيال، يقال: أول المروءة طلاقة الوجه، والثانية التودّد، والثالثة قضاء الحوائج لبعضهم: [البسيط]
ألّيتُ أجلسُ إلا دونَ مرتبتي ... وأن أزاحمَ، حتّى يفتحَ البابُ
كي لا يباعدَ إن قرَّبتُ منزلتي ... ولا يواجهني بالرَّدِّ بوَّابِ
قال المأمون لليزيديّ عن ابنه العباس: فقال: لا يفلح أبدًا، فقال: من أين عرفت ذلك، وقد أمرتك بتأديبه؟ فقال: ناوله الغلام أشنانًا، ليغسل يده فاستكثره ورده إلى الأشنندانه، ولم يلقه في الطشت فعلمت أنه بخيل لا يسود، فلا يصلح للملك. قال بعض الحكماء الصبر على مرارة الأمر إبقاء الحلاوة عاقبته.
يقال شيئان لا يفترقان الحرص، والشر، وشيئان لا يجتمعان القناعة، والحسد، قيل لقيس بن عاصم: بمَ سدت قومك؟ قال: ببذل القرى، وترك المراء واحتمال الأذى ونصرة المولى، قيل لبعض الحكماء: متى يكون الأدب شرًا من عدمه، فقال إذا أكثرت الأدب ونقص العقل، وغني لأكره زيادة منطق على عقلي، قال أبو العتاهية: [الطويل]
إذا كنتَ عن أنْ تحسنَ الصَّمتَ عاجزًا ... فأنتَ عنِ الإبلاغِ بالقولِ أعجزُ
يخوضُ أناسٌ في الحديثِ ليوجزوا ... وللصّمتِ في بعضِ الأحايينِ أوجزُ
ولقد أحسن بعضهم في قوله: [الوافر]
بداهتهُ وفكرتهُ سواءٌ ... إذا ما نابهُ الخطبُ الكبيرُ
وأحزمُ ما يكونُ الدَّهرُ رأيًا ... إذا عميَ المشاورُ، والمشيرُ
قال المنصور: عقوبة الحكماء التلويح، وعقوبة السفهاء التصريح، يقال: إنه جرى بين شهرام المروزي وبين أبي مسلم صاحب الدولة كلام، فمازال يترقى بينهما إلى أن، قال له شهرام: يا لقيط، فصمت أبو مسلم وندم شهرام، فأقبل عليه معتذرًا إليه، فلما رأى أبو مسلم ذلك قال: لسان سبق، ووهم أخطأ.
1 / 10