وأطرقت ماجدة لحظة، وقالت بعدها، وفي صوتها إحساس وعاطفة: أنت تعلم أني أرتاح إليك، وأحب أن أكون معك، ليس حبك لي عبئا ... إنه على العكس يبعث في الأمل.
وتصل القصة إلى قمتها، ذات يوم كانا يستمعان إلى أغنية في الراديو ... لحن جميل نظمه شاعر يصف حبه، ويشكو فيه، لا هجر المحبوب ولا وصاله، وإنما خلو هذا الحب من الهجر والوصل معا.
حتى ليتمنى على المحبوبة أن تقسو عليه، ومدت ماجدة يدها وخفضت من صوت الراديو، وقالت في امتعاض: لا أحب هذا اللون من العلاقة ... إنه كالماء الراكد، أوثر عذاب الهجر على صقيع الركود ... أفضل ألف مرة أن أحب إنسانا فلا يحبني ويهجرني، على أن أظل معلقة بخيط الشك أو الغموض ... أنت ما رأيك؟
وابتسم ابتسامة فهمتها، وهو يقول: أنا من رأيك ... لكن أنت، ألا تحسين أنك تتركين إنسانا معلقا بهذا الخيط ... لو أن هذا الإنسان أدرك مصيره؟
وأمسكت بيده، وأخذت تربت عليها في رقة، ورفع يدها إلى فمه ولثمها، ثم سار بها حثيثا حتى استلقت على كتفه، وأحسها تلمس عنقه، وأحس بأنفاسها تتردد دافئة فتحسس طريقه إلى فمها، وغاب في قبلة طويلة، قبلة رسم خلالها خطوط مستقبل جديد، كانت قد استرخت على المقعد، وكأنما شربت في القبلة نفس الخمر فثملت ... أما هو فقد بعثت فيه مع النشوة نشاطا دب إلى خياله ... وقال وفي صوته عزم: هل تتزوجينني يا ماجدة؟ أو؟ ...
وأجابت وما زالت سكرى: أو ماذا؟ ... أترى نفسك ما زلت معلقا بخيط الغموض؟
وشربا كأسا أخرى من الرحيق نفسه، وامتلأت رئتاه بعطرها العميق، وتدفق الهوى في شرايينه حارا كالدم، وأخذ يصب في أذنيها الأماني ... - لن أظل في مكاني يا ماجدة في مكتب الأستاذ وصفي ... لقد بدأت أكون لي عملا، وسأفتح مكتبا خاصا بعد عام ... سنبدأ معا حياة جديدة مشرقة، أنت وأنا متفقان في مشاربنا، كلانا يقرأ كثيرا، كلانا يحب الأدب ... إننا على الأقل لن نجوع يا ماجدة، فلدي ما ييسر لنا حياة طيبة.
إن هذا المنظر هو أقوى مناظر القصة ...
ظل يتكلم طويلا، وألقى دوره بمهارة فائقة، وكأنما كان يستظهره منذ شهور، وظلت ماجدة تستمع ... ترى هل نجح في دور العاشق أمام عاشقة محترفة؟ وهل سمعت أذناها قبلا مثل هذا الأداء؟ ... إن ما حدث بعد ذلك كشف عن مدى نجاحه؛ إذ قبلت ماجدة الزواج منه، لقد نجح في أن يجعلها تنسى نفسها، وتتكلم كفتاة يفتح قلبها لنداء الحب، قالت له: وزوجتك؟
أجابها على الفور: إنها شابة وما زال أمامها المستقبل، وحين يحب الرجل المتزوج، فمعنى ذلك أن زوجته لم تملأ فراغ حياته ... أتظنين أنه في استطاعة الرجل أن يحب اثنتين؟
Bog aan la aqoon