قالت: وأعرف متى كتبها ...
قصة حبه المعروفة، إني أشك كثيرا فيما يشاع عنها، لا شك في أنه أحب ... ولكنني أشك في أنه أحب «س» بالذات إنها لا توحي بشيء ... وأسرعت قائلة: لك أنت ربما ... لكن له، لقد كانت في وقت ما كل وحيه، غريبة أليس كذلك؟ أنت وأمثالك من السذج لا يصدقون أن تكون مثل هذه المخلوقة التافهة مصدر وحي لشاعر ممتاز، لكن من قال إن ملهمات العباقرة كن دائما ذوات خطر ... إننا لم نر إحداهن إلا في الثوب الذي خلعه عليها صاحبها.
ووجد نفسه يقول: لو كنت ملهمته أنت مثلا، ترى ماذا كان يضع في الشعر؟ - ربما كان لا يكتب قصيدة واحدة ... - أنت لا تلهمين ... أي مجنون قال هذا ...
وكان متحمسا إلى حد أضحكها ... أضحكها فترة عادت بعدها تقول: هل تنظم الشعر أنت؟ ... وتنقصك الملهمة؟
ومن هنا يدخل هو وماجدة إلى أحداث القصة، كان كل ما مضى مقدمات لكي تبدأ ... ما أكثر ما ضحك تلك الليلة من نفسه! وما أشد ما خجل من خواطره وأفكاره البيضاء والسوداء على حد سواء! عادا من طريق الصحراء عند منتصف الليل ... لم يطوق خصرها بذراعيه، ولم يحتس معها كأسا في شقتها الأنيقة، كل حصاده من متاع الأجساد قبلة حارة طبعها على يدها ... ومع ذلك فما أحس بأنه يقبل يدا، وإنما يلثم أطراف محراب، وتتوالى مناظر القصة كلها على نمط واحد.
يلقى ماجدة في المساء، ويحدثها في الصباح بالتليفون، يلقاها في شقتها، فيقضيان الساعات يقرأان الكتب، ويسمعان الموسيقى ... كانت تجلس إلى أريكة وثيرة، وقد استرخت كأنها تحلم، في حين جلس هو إلى مقعد بجوارها يقرأ لها شعر الحب لعشرات الشعراء، كانت تقول له: إلقاؤك يكسبه روحا ومعنى... من المؤكد أنك ستنظم شعرا عذبا يوما ما.
وكان يضحك قائلا: ربما ... هذا يتوقف عليك ... أنت إلهامي ذات يوم إن كتبت شيئا ...
وكان يحس، وهو يقرأ لها شعر النجوى والضراعة أنه لا يلقي نظم غيره ... كان يخيل له أنه يتحدث عن نفسه ... يتكلم بألفاظه هو، وكان ينتبه إلى نفسه كلما انتهى من تلاوة الشعر فيجدها تحملق فيه، أو تحدق في الفضاء ... حتى هي كان يخيل لها أنه يخاطبها ... وأنه يبث نجواه هو إليها، لا نجوى الشاعر لحبيبته، وكانا يخرجان أحيانا إلى الصحراء فتقف السيارة، وينطلقان في الخلاء، تخب أقدامهما في كثبان الرمال، وتخوض أفكارهما في خضم العواطف، وتلوك ألسنتهما شتى الأحاديث، يتحدثان عن القدر، وعن الناس، وعن الحب ... تقص عليه طرفا من حياتها، وما لقيت فيها من هناء وشقاء، كل يوم كان يمزق قناعا من نفسها الغارقة في عشرات الأقنعة ... بدت له نفسها آخر الأمر نفس فتاة تنطوي على إحساس بالخير والشر، والهناء والشقاء، والحب والكراهية، وخيل له ذات يوم أنها ... ماجدة ... فتاة، وليست كائنا من جنس غير البشر ... لها شفاه تلثم فتحس حرارة الحب ... وعينان تدمعان للأسى، وتلمعان للفرح ... وعندئذ فقط، وجد نفسه يتخلى عن دواوين الشعر ... ليناجيها بلغته وكلماته، وقد صب عليها قلبه من حرارته ما كساها روعة الشعر.
وقالت له يوما، وهي تحدق في الفضاء كأنها تسمع شعرا: هل تحبني حقا إلى هذا الحد؟
وأجابها في صدق: أجل يا ماجدة، أحبك من لقائنا الأول، كل ما في الأمر أنني كنت أحسبك تمثالا جميلا من المعدن فلم أبح لك بالحب، حتى تبينت لي إنسانا يسعد ويشقى وله قلب ... أنا أعرف أن حبي لك عبء يجب أن أحتمله وحدي ... أعرف أنه ليس في حياتك فراغ أملؤه ... لكنني مع ذلك أحبك.
Bog aan la aqoon